أسفاً على أقلام مصر النزيهة ، وأعلامها المحنّكين ، ومؤلِّفيها المصلحين ، وكتّابها الصادقين ، وعباقرتها البارعين ، وأساتذتها المثقّفين ، ورجالها الأمناء على ودائع العلم والدين.
أسفاً على مصر وعلمها المتدفّق ، وأدبها الجمّ ، وروحها الصحيحة ، ورأيها الناضج ، وعقلها السليم ، وحياتها الدينية ، وإسلامها القديم ، وولائها الخالص ، وتعاليمها القيّمة ، ودروسها العالية ، وخلائقها الكريمة ، وملكاتها الفاضلة.
أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيّة تلك الكتب المزخرفة ، ضحيّة تلك الأقلام المستأجرة ، ضحيّة تلك النزعات الفاسدة ، ضحيّة تلك الصحائف السوداء ، ضحيّة تلك النعرات الحمقاء ، ضحيّة تلك المطابع المأسوف عليها ، ضحيّة أفكار أولئك المحدثين المتسرِّعين (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١) (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (٢).
أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقّفين؟ أم لم يوجد هناك من يحمل عاطفة دينيّة ، وشعوراً حيّا ، وفكرة صالحة يدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّه؟
والعجب كلُّ العجب أنّ علاّمة مصر (٣) ، يُري للمجتمع أنّه الناقد البصير ، فيقرِّظ كتاباً (٤) قيّماً لعربيٍّ صميم ، عراقيٍّ يُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ، ويناقش دون ما في طيّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتّب به على الأمّة ولا على فردٍ
__________________
(١) الفجر : ١١ ، ١٢.
(٢) البقرة : ١١ ، ١٢.
(٣) الأستاذ أحمد زكي. (المؤلف)
(٤) أصل الشيعة وأصولها : لشيخنا العلاّمة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء. (المؤلف)