ليستْ تَحِلُّ سراتُنا |
|
إلاّ الصدورَ أو القبورا |
ولمّا ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو أسير ، كتب إلى والدته يُعزِّيها بنفسه (١) :
مُصابي جليلٌ والعزاءُ جميلُ |
|
وعلمي بأنّ اللهَ سوفَ يُديلُ |
وإنّي لَفي هذا الصباحِ لَصالِحُ |
|
وَلي كلّما جنّ الظلامُ غَليلُ |
وما نالَ منّي الأسْرُ ما تريانِهِ |
|
ولكنّني دامي الجراحِ عَليلُ |
جِراحٌ تحاماهُ الأساة (٢) مخافةً |
|
وسقمانِ بادٍ منهما ودخيلُ |
وأسرٌ أقاسيه وليلٌ نجومُه |
|
أرى كلّ شيءٍ غيرهنّ يزولُ |
تطول بيَ الساعات وهي قصيرةٌ |
|
وفي كلِّ دهر لا يسرُّكَ طولُ |
تناسانيَ الأصحابُ إلاّ عصابةً |
|
ستَلحَقُ بالأُخرى غداً وَتَحولُ |
وإنّ الذي يبقى على العهد منهمُ |
|
وإن كَثُرَتْ دعواهمُ لقليلُ |
أقلّبُ طرفي لا أرى غيرَ صاحبٍ |
|
يميلُ مع النعماءِ كيف تَميلُ |
وصرنا نَرى أنّ المُتاركَ محسنٌ |
|
وأنّ خليلاً لا يضرُّ وَصولُ |
وليس زماني وحده بِيَ غادرٌ |
|
ولا صاحبي دون الرجال ملولُ |
وما أَثَري يومَ اللقاءِ مُذَمّمٌ |
|
ولا موقفي عند الأسارِ ذليلُ |
تصفّحتُ أقوالَ الرجالِ فلم يكن |
|
إلى غيرِ شاكٍ للزمانِ وُصولُ |
أكلُّ خليلٍ هكذا غيرُ مُنصفٍ |
|
وكلُّ زمانٍ بالكرامِ بخيلُ |
نعمْ دَعَتِ الدنيا إلى الغدرِ دَعوةً |
|
أجاب إليها عالمٌ وجهولُ |
وقبليَ كان الغدرُ في الناسِ شيمةً |
|
وذُمَّ زمانٌ واسْتلَامَ خليلُ |
وفارقَ عمرو بن الزبير شقيقَهُ |
|
وخلّى أميرَ المؤمنين عقيلُ |
فيا حسرتا من لي بخِلٍّ موافقٍ |
|
يقول بشجوي مرّةً وأقولُ |
وإنّ وراء الستْرِ أمّا بكاؤها |
|
عليَّ وإن طالَ الزمانُ طويلُ |
__________________
(١) ديوان أبي فراس : ص ٢٣٢. (٢) الأساة : جمع آسٍ ، وهو الطبيب.