هنا أنَّه كان يرجع إليه في بعض مفرداته اللغويّة ، فيذكر شرحها في ديوانه معتمداً عليه ، قال بعد قوله :
وأصْدَقُ المدح مدحُ ذي حسدٍ |
|
ملآنَ من بغضَةٍ ومن شَنَفِ |
قال لي محمد بن حبيب : الشنف ما ظهر من البغضة في العينين ، وأشار إليه بعد بيت آخر وهو :
بانوا فبانَ جميلُ الصبرِ بعدهُمُ |
|
فللدموعِ من العينينِ عينانُ |
إذ فسّر كلمة (عينان) ، فروى عن ابن حبيب أنّه قال : عان الماء يعين عيناً وعيناناً إذا ساح. فهؤلاء ثلاثة من أساتذة ابن الرومي على هذا الاعتبار ، ولا علم لنا بغيرهم فيما راجعناه ، وحسبنا مع هذا أنّ الرجل ـ كيفما كان تعليمه وأيّا كان معلّموه ـ قد نشأ على نصيب وافٍ من علوم عصره ، وساهم في القديم والحديث منها بقسط وافر في شعره ، فلو لم يقل المعرّي : إنّه كان يتعاطى الفلسفة ، والمسعودي : إنّ الشعر كان أقلّ آلاته لعلمنا ذلك من شواهد شتّى في كلامه ، فهي هناك كثيرةٌ متكرّرةٌ لا يلمّ المتصفِّح ببعضها إلاّ جزم باطّلاع قائلها على الفلسفة ، ومصاحبة أهلها ، واشتغاله بها ، حتى سَرَت في أسلوبه وتفكيره ، وما كان متعلّم الفلسفة في تلك الأيّام يصنع أكثر من ذلك ليتعلّمها أو لِيُعَدّ من متعلّميها ، فأنت لا تقرأ لرجل غير مشتغل أو ملمّ بالفلسفة والقياس المنطقيّ والنجوم كلاماً كهذا الكلام :
لِما تؤذنُ الدنيا به من صروفها |
|
يكونُ بكاءُ الطفلِ ساعةَ يولَدُ |
وإلاّ فما يُبكيه منها وأنّها |
|
لأرحبُ ممّا كان فيه وأرغدُ |
وذكر (١) شواهد كثيرة على إلمامه بالعلوم ومعرفته بمصطلحاتها ، غضضنا الطرف عنها اختصاراً.
__________________
(١) أي العقّاد في كتابه عن ابن الرومي.