ثم مررنا بقرية مصر خيم الواقعة على ضفاف النيل ، والشيخ عبد الله مصر خيم مدفون بها فى ضريح مغطى بقبة صغيرة بيضاء ، وقد توقفت كل المراكب أمام هذا الضريح ودقت الطبول وذكرو الله ، ثم أبحرت المراكب مرة أخرى ، وهذا المكان هو الحدود بين الغربية والمنوفية ، وتلاطم النيل في هذا الموضع شىء ظاهر ، وقد تحطمت بعض المراكب من شدة تيار المياه ، وعبرنا ذلك المكان والكل يسأل الله أن نعبر طريقنا بسلام ، ويصل ماء النيل إلى قمة اندفاعه ، وفى وقت الغروب ترسو كل السفن على جانب النيل ، حيث يكونوا فى مأمن من الإبحار ليلا ، وفى ذلك المكان قرية تسمى قرية العفريت ، وهى قرية كبيرة تقع فى أراضى الغربية بها مائتى منزل وجامع ، ويشتغل معظم الأهالى هناك بصناعة الأكواب ، وبها قصر مشهور مثل حدائق إرم ، قام ملوك مصر السلف بصرف خزينة على هذا القصر من خزائن مصر ، وفى وقت قريب سكن هذا القصر شخص يدعى فضلى أغا ، وفى أحد الليالى رأى فضلى أغا شخصا عظيم الجثة يهجم على القصر ، فظن فضلى أغا أنه لص فجمع الحراس وتسلحوا ونادى فيهم أن يهجموا على اللصوص وعندما أطلقوا النار وضربوا بالسيوف ، أصيب أحد اللصوص ولكنه لم يمت ، أما حراس فضلى أغا فقد أصيب بعضهم بالصرع وأصيب البعض الآخر باعوجاج فى يده وفمه وأنفه ، وبالرغم من ذلك ظل فضلى أغا وحراسه يحاربون بشجاعة لمدة ساعة ، ثم فروا هاربين من القصر ، ثم سد أهالى القرية باب القصر بالطوب وظل على حاله حتى الآن ، ولا يستطيع أحد أن يدخله ، حتى عندما وصلنا هناك سألنا أهل القرية عن هذا القصر فقالوا : «إنهم فى بعض الليالى يرون قناديل تضىء فوق سطحه ، ويسمعون صوت دق الطبول ، وفى صباح تلك الليالى يجدوا على حوائط القصر منسوجات بيضاء وسوداء لا هى من صوف الإبل ولا هى من صوف الأغنام ، إنها منسوجات لا مثيل لها فى الدنيا ، إنه بلاء مسلط على قريتنا ، ولكن لا ضرر منه على أولادنا وأهلنا».
أما فضلى أغا وجميع حراسه فإنهم يعيشون الآن بصحة جيدة ، ولا يعرف أحد مقدار أمواله التى تركها فى القصر عند ما فر هاربا ، فقد زادت الضعف وهذا ما نقله