وفى عام ٩٢١ من القسطنطينية البلد الطيب خرج الجيش العثمانى إلى اسكودار بعد طى المنازل والمراحل ، بلغ سهل مرج دابق على مقربة من حلب حيث حارب جالوت داود ـ عليهالسلام ـ وانهزم جالوت ، ونزل قوله ـ تعالى ـ : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة : ٢٥١] ، ولحق السلطان سليم بثمانين ألف مقاتل بجيش الغورى الذى انهزم أمامه وفرّ الغورى إلى حلب ثم إلى دمشق وبعدها إلى مصر ، ودخل سليم ظافرا إلى دمشق ، وقضى الشتاء فيها ، وفى الربيع انطلق إلى مصر وعبر بجيشه وادى أمّ الحسن وغلب على مدينة بلبيس ، وفى كمين أعدّه الغورى وفى جبال عباس انقض الغورى على جيش سليم بغتة فى السحر ، ودارت المعركة إلى وقت غروب الشمس ، وأسفرت المعركة فى النهاية عن قتل رءوس عسكر الغورى ، ووجدت جثة الغورى بلا رأس على سجادة وقالوا إن الغورى زايل دار الغرور إلى دار بوار.
* خلاصة القول أن سليم قد بلغنا به غايته على وجه الإيجاز فيما يختص بفتح السلطان سليم لمصر ولقد تم له الفتح لمصر بعد أن خاض ستين معركة ، وعين خيره بك واليا لمصر وهو الذى استوزره الغورى من قبل ، كما عين كمال زاده باشا قاضيا للعسكر ، وأجرى فى النيل ألف سفينة وبهذه السفن بلغ مدينة رشيد وبعد ذلك ضرب الحصار على قلعة الإسكندرية برا وبحرا ، أما ما كان فى القلعة من جند الشراكسة فطلبوا الأمان وآثروا النجاة وقدموا مفاتيح القلعة إلى السلطان سليم ، وتم له هذا الفتح عام ٩٢٣ ه وجعل سليم مصر ولاية ذات إقليمين ومنح إقليما لقبطان بحريته حسام باشا ، وأمره بأن يحافظ على الموانى المصرية بأربعة سفن حربية وأمر أن تقدم كل قرية كيسين فى كل شهر فى الديوان ، وقد حكم القبطان حسام باشا مصر ، وفى ميناء الإسكندرية سفينتان حربيتان له ، وكان على كل سفينة ترسو فى ميناء الإسكندرية وأبو قير ، والإسكندرية القديمة أن تدفع دينارا ذهبيا وكان يتحصل من البلاد ثلاثون كيسا ، ولم يكن فى الأقاليم تيمار (١) ولا زعامات (٢) ومن قبل وزير مصر رفيع المنزلة ،
__________________
(١) أرض زراعية كان سلاطين العثمانيين يمنحونها لمن يتعهدون بتقديم عدد من الفرسان للدولة عند قيام الحرب ، وذلك حسب ما تغل هذه الأرض.
(٢) الزعامت : أرض زراعية كانت تقطعها الدولة للمحاربين ، هى أكبر من التيمار.