بإذن الله بعد أربعين يوما ، وحمام البوستانجى حمام كبير ، أما حمام خواجه عبيدى وحمام قوبدان باشا فحمّامان للخواص والعوام ، وجو هذه المدينة يشبهه جو بلاد الروم ، وفيها يهطل المطر بغزارة ، وينزل الجليد والبرد لأن مدينة رشيد فى أول الإقليم الثالث ، ولذلك فيه من الفتيات والفتيان من العرب من يتصفون بالجمال ، ويتكسب أهل رشيد من التجارة ، ونصفهم من أهل الحرف ؛ ولذا فإن أهل هذه المدينة فى رغد من العيش ، ويقيم بعضهم للبعض الولائم فى كل ليلة ، ويقيمون المولد الشريف فى الليلة خمس أو عشر مرات وفى الأسبوع يقيمون حفلات العرس أربع أو خمس مرات ، ويباع خمسون رغيفا من الخبز الأبيض ببارة واحدة ، والرطل الإسكندرانى من اللحم ببارة ، كما يباع قنطار السكر بعشرة قروش ، ويباع أردب الشعير بمائة ، ويأتى إليها ألف سفينة فى العام ، وفى المدينة حدائق ذات بهجة وفيها تين وجميز وخوخ وليمون ونارنج ، وعلى ضفتى النيل حدائق وبساتين وكل ما أنعم الله به على الإنسان موجود فى هذه المدينة ، ويلبس أعيان المدينة فرو السمور والجوخ والثياب الفاخرة ، أما الطبقات المتوسطة من أهل المدينة ، وهم أهل حرف ، فيلبسون الثياب ذات الألوان. والأغنياء يلبسون حرير دمياط والفرسكور الملون ، والفقراء يلفون حولهم ثوب الإحرام وهم يعيشون فى كفاف ويكدحون ، وفى الجانب الغربى من هذه المدينة لهم بيوت صغيرة يقيمونها على الرمال ، وليس فيها بعوض ، أما نصف المدينة إلى شاطئ النيل ففيها بعوض يشرد النوم ، ولذلك ينام كل واحد منا فى كلّة (١) دفعا للبعوض ، وأهل هذه المدينة يأمنون الذباب ، وطول المدينة إلى تكية عبد القادر الجيلانى ألف وخمسمائة وعشرون خطوة ، وعلى ضفة النيل قصور شامخة وفى النيل مرافئ ينزلون فيها البضائع من السفن وجميع المنازل التى على ضفة النيل تطل نوافذها عليه ، وشوارعها واسعة نظيفة وهى ستمائة وعشرة ، أما أهلها
__________________
(١) الكلّة : ستر رقيق ذو ثقوب يرفع فوق السرير ليتوقى به من البعوض وغيره. انظر : المعجم الوجيز ، ص ٥٤٠.