أما إذا قحطت مصر ـ حفظها الله ـ فإن جميع بلدان الدنيا تعجز عن إطعامها ، ففى مصر أكثر مما فى الدنيا بأسرها من دواب ومخلوقات ، كما أن أهلها كذلك لا يقعون تحت حصر. ومن ظلم وعسف جندها أصبح أهلها كقوم فرعون ، ولأنهم بالغوا فى إظهار اسم «يا قهار» فقد حقر أهلها وذلوا واستحوذ جند السلطان على كل خيراتها وبقى الفلاح ذليلا.
وفى شأن مصر وشعبها قال «كعب الأحبار» ـ رضى الله عنه ـ مصراعا على لسان مصر هو : «خلق الله الغنى بمصر فقال الذل أنا معك».
والواقع أن الضعاف والفقراء والأذلاء من أهل مصر كثرة كاثرة ، حتى إنه فى عام ( ) (١) على عهد عبد الرحمن باشا على الرغم من كثرة الغلال لسوء تصرف الحكومة احتكرها الأغنياء فقحطت مصر قحطا عظيما لدرجة أن بعض الفقراء أكلوا الميتة ، والبعض كان له قميص واحد يشترك فى لبسه مع زوجته ، فكانت تلبسه نهارا ويلبسه هو ليلا.
وكانوا يعيشون على عشرين حبة من الفول فى اليوم. إلى هذا الحد كان الفقر وكانت كثرة الفقراء. لأنه عندما تحصل الخزائن من الرعايا والبرايا وهى إحدى وثمانون خزانة كان مئات الآلاف من الناس يفلسون ويخلو وفاضهم. وهذه الخزائن المذكورة كانت تحصل بعد خمسة وسبعين يوما من الحصاد. وباستثناء الماغر والأوز والحطب كانت ضريبة الجمرك تحصل على كل ما يطير فى السماء وما يدب على الأرض وما يسبح فى الماء وكل الأشياء «مقاطعة» حتى إن الفقراء المعدمين ممن هم فى أمس الحاجة إلى الفلس الأحمر يؤدون الضرائب للحكومة وهم مقاطعة.
ـ عجيبة أخرى :
ومن عجب أن بعض الفلاحين كانوا يسوقون أسرابا من الأوز فى شوارع القاهرة لبيعها وفى هذا الزحام كان الناس يدهمون بأقدامهم أسراب الأوز هذه فيجعلونها وكأنها رمال ، ولكن لم تكن تفرض عليها ضريبة ، وما عدا ذلك كانت تفرض عليه الضرائب والعشر السلطانى.
__________________
(١) بياض فى الأصل.