هذه وتمضى نحو البحر المحيط جنوبا ، وقد رآها البرتغاليون والهنود فى سفنهم ولا يعلم إلى أين تمضى بعد عبورها البحر المحيط ، ولا يخرج من جزيرة مصر طائر اللقلق ، ولكنها لا تفرخ على الساحل ، لأن بيضها ينضج فى الحر ، ولقد شهدت فى طريقى إلى مكة بيضة نعامة ذات مرة ، وقد ثقبتها وأفرغت ما فيها لإحضارها إلى بلاد الروم إلا أن هذا الفرخ الذى خرج من البيضة طار من شدة الحر وقد زرت مقبرة الطيور ذات الأكفان ، ومضيت إلى الغار المذكور ، وكان غارا عظيما ولم يكن ظلامه دامسا ، ولكن من جثث الطيور تصاعدت رائحة تفقد الإنسان وعيه ، ورأيت جميع أنواع الطيور فى هذا الغار ، وفى كل عام تأتى الطيور من جميع الأجناس إلى هذا الغار وتمضى هذه الطيور إلى أسوان والسودان وتعبر البحر المحيط ، وتعود إلى السواحل فى الربيع وتحوم حول هذا الجبل سبع مرات وهذه الطيور لا تنام ليلا بل تمضى وتتهافت على هذا الغار ، والله يعلم عدد هذه الطيور ، وفى كل عام تبدى منظرا عجيبا ويأتى أهل هذا الإقليم ، ويمضون إلى هذا الغار ويذبحون كل طائر وهم يصنعون فى ذلك مثلما كان عليه آباؤهم بحيث لا يبقى فى الغار طائر ، وهم يعلمون أن الطائر منها إذا وقع فتلك أمارة على القحط ، وكل إنسان يخزن متاعه على أن قحطا عظيما سوف يقع ، وإذا صلب طائر سهل صيده وإذا صلب طائران أخذوا بيضهما ، وإذا صلب ثلاثة طيور كانوا غنيمة ، وإذا اقتربت من النيل بمقدار ستة عشر ذراعا تحصل مال للدولة وإذا صلب أربعة طيور أثرى جميع الملتزمين ، وإذا صلب خمسة طيور أصبحت أفراد الرعية جميعها أمراء ، وإذا صلب ستة طيور ارتفع النيل ستة وعشرين ذراعا وكان فى كل سنبلة مائة حبة ، ويعجز الفلاحون عن حمل محصولاتهم من بيادرهم وهذا معتقد الفلاحين فى الصعيد ويعجز الرعايا والأمناء والكاشفون أيضا عن حمل محصولاتهم من البيادر ، وتلك حكمة عجيبة وطلاسم قديمة وسحر ، والحمد لله أننا رأينا هذا المنظر العجيب فى سياحتنا وتجاوزنا هذه المحلة وانطلقنا جنوبا وبعد ست ساعات بلغنا قصبة أبو تيج.
أوصاف قصبة أبو تيج
إنها كاشفية تابعة لحكم جرجا ، وبها مائتا قرية يتحصل منها سبعون كيسا وعشرون ألف أردب من الغلال ، ويحاسب عليها فى ديوان جرجا ، ويقيم أغا استعجال الغلال