بما أن العنب لا وجود له فى بساتينهم ليس لديهم شراب مسكر كالعرق الذى يصنع من العنب ، وليس لديهم من المسكرات غير البوزه واللبن والسبب فى أن لبن النوق لا يسكر إسكارا شديدا أنهم يضعون فيه جذر نبات الحلفاء فيزداد اللبن سكرا ، إن هذه المشروبات المسكرة تناسب جوههم الحار ولكن شدة الحر لا تؤثر فيهم وأحمد الله أنى لم أتأثر بها ، ونحن نمشى فيها كما نمشى فى أيام الإحرام عراة الرءوس حفاة الأقدام ونحن بذلك نتبع أهل الفونج ، ولم نحزن ذات يوم مع أتباعنا لأن نسيم الصبا هب فأنعش أرواحنا.
وماء النيل فى هذه البقعة ماء زلال ، لأنها تقع على مسيرة شهر جنوبا وفيها من المعادن فى الأرض السبخة النفط والقطران والكبريت والحديد والزرنيخ وفى القنوات مئات الآلاف من الأفاعى والحيات والحيوانات السامة غارقة فيها ويملئون بماء النيل القرب من جلد الغزال ، فيبرد ويصبح قطعة من الثلج ، إلا أنهم إذا أكثروا من شرب الماء أصيبوا بالإسهال ، وفى هذه الديار لا وجود للبراغيث ولا القمل ولا البق لأن جميع أهل هذه البلاد يدهنون أجسامهم بالزيت ويرقدون فى الشمس كأنهم الجاموس ، والبراغيث والقمل والبق لا تبقى فى الأماكن التى فيها دهن ، وهم لا يعرفون المآثم والمحارم والزنا واللواط والنميمة ، وأمراضهم الطاعون وذات الجنب والفالج والرعشة الجسمية والجزام والجمرة والبرص ، والحاصل أنهم لا يعرفون ما الطاعون ، وهم يعدونه مرضا عارضا إنه فى أول أمره ضعف يصيب المريض ثم ينقطع عن الطعام والشراب ثم يموت فيدفن ، إنهم لا يبكون ولا يتأوهون ، ولكنهم يضحكون ، وقد سألت عن ذلك لماذا لا يبكون ، نحن إذا أصبنا بذلك لم نر عيبا فى البكاء ، فقالوا : إننا نموت جميعا قضاء وقدرا.
وخلاصة القول أنهم قوم يتوكلون على الله إنهم من لم يجد عشاءه ووجد أكله ، وإلا فإنه يمضى جائعا ، إنهم يصيدون سمك النيل وبه يسدون جوعتهم ، وإذا وصفنا أحوال وأوضاع السودان كلها تطلّب منا ذلك كتابا بذاته.