من ذهب فأخذنا الأسف وقلنا الحكم لله ثم سرنا فى أرض فيها أسود ونمور وفيلة ووحيد القرن وجبل أسود وصخور سود ودام سيرنا فى هذه الأرض ستة أيام وست ليال وبلغنا وادى ابرايش.
وادى ابرايش
إنه فى أرض الحبشة ، وعلى جوانبه الأربعة آثار العمران وتنبعث منه رائحة طيبة فنزلنا فى هذه البقعة توا ، وقد حفرنا الأرض فانبعث منها ماء عذب فمنذ سبعة أيام قلّ ما نحمل من ماء فشربنا من هذا الماء ولذلك ردت الروح على الجند والدواب وتألقت الحياة فى الوجوه ، وقد وجدنا آبارا كثيرة حفرت فربما كان التجار المرتحلين من الحبشة إلى مصر كانوا يسلكون هذا الطريق فحفروا تلك الآبار ، ونحمد الله أننا بلغنا الطريق الواسع ، وكان العبابدة يأتون من قنا سالكين هذا الطريق ، وغادرنا هذه البقعة وسرنا ثلاثة أيام فى أرض حجارتها سود وجبالها سود وأرضها سوداء وقد تأذينا كثيرا من شدة القيظ ولما دخلنا الغابات تنسمنا رائحة كرائحة المسك وكأنما وجدنا من هذه الرائحة حياة الخلود ، وقد سألت بعض التجار عن مبعث هذه الرائحة الطيبة التى تنسمناها فى الغابات فقالوا إنها رائحة تنبعث من الجبال التى تمتلئ برائحة المسك وثعابين المسك ، واجتزنا هذه الغابات وفى اليوم الثالث وفى نهاية الصحراء بلغنا جبل عزلون.
جبل عزلون
نزلنا سفح هذا الجبل ، إنه فى حكم الحبشة وفى يسرة هذا الوادى عرب لهم عشرة آلاف خيمة وهم زنوج ، وعلى المذهب الجعفرى ، وتجاوزنا هذه الأرض وحفرنا الآبار ، فخرج ماء عذب ، ومضينا شمالا حتى بلغنا البحر المحيط وطوينا مراحل على ساحل هذا البحر وبلغنا أرض القردة وفى شتى جبالها وأحجارها شتى أنواع القردة والنسانيس وأنواع أخرى من القرود ، ولقد شاهدنا هذه القرود من فوق الأشجار التى تسلقتها وكانت تطلق أصواتها كأنها تضحك ، وكانت تلعب وبذلك نسينا ما تكبدناه من نصب ومشقة فى سيرنا ، وجملة القول أنه لا وجود فى عالم الحيوان كالقردة فى ذكاءها