يقعون فى حال الوله وهم فى دورانهم ، ويتغنون بالمنظومات الدينية فى صوت حزين والتى تسمى الواحدة منها «إلهى» ويداوم الذاكرون على ترديد كلمة «اللهم» فى ارتفاع وانخفاض من سمعها وكان مكدودا مهموما كاسف البال ـ دب فيه دبيب الحيوية والتفاؤل ، والله أعلم.
وجملة القول أنه على هذا النحو ينشد اثنى عشر فصلا من التوحيد السلطانى فى اثنى عشر مقاما ليست لواحدة من الطرق الصوفية المائة وأربعين ، وربما كانت للطريقة المطاوعية أو الطريقة البرهانية.
وبعد هذه الفصول يخرج «جلبى أفندى» من خلوته فيحيه جميع الصوفية ويتقدمون لتقبيل يده ، فلا يأذن بذلك إلا لمن بايعه وتشرب تعاليمه ، وأصبح موضع سره ومن أهل طريقته ؛ ولذا يقبل كف يده اليمنى.
و «جلبى افندى» هذا لا يغادر حجرته قط ولا يختلط بأحد من عوام الناس. إلا أنه يخرج مرة واحدة فى العام هى ليلة المولد. وهو يمتنع دوما عن الكلام صوام النهار قوام الليل دائما فى طاعة وعبادة منقطع لتلاوة القرآن الكريم.
ولكى يتعيش يشتغل بالخطاطة فهو جميل الخط ، إنه يخط بعض الرسائل يرسلها إلى بعض المتصوفة تبركا على سبيل الهدية.
وسبب خروجه يوم المولد هو أن بعض المتصوفة يبايعونه ويدخلون فى طريقته وبعضهم ممن لديه الاستعداد للإقامة فى التكية طيلة أربعين أو خمسين سنة يتلقون على يده كيف يصبحون أصحاب سجادة فى بلد آخر. كما أن بعض المتصوفة يشرفون بلقائه مرة فى العام ويظفرون منه بخير الدعاء.
يجلس المتصوفة على السجادة الموجودة على يمنة المحراب فى سكون وخشوع وبعد أن يفرغوا من التوحيد والذكر يصعد المنبر عالم فاضل لتلاوة الأوراد ويردد الموشحات فى صوت واحد ، ثم يبدأ ذلك الشيخ الفاضل فى قراءة «مولد سليمان جلبى» (١) فى صوت رخيم فى اثنى عشر مقاما ، ويحيون الليلة حتى مطلع الفجر وهم على تلك الحال.