آنذاك فدخلتنى الدهشة والوله والحيرة. وفى طريق عودتنا إلى مصر كنت معه رفيق الطريق وكان معنا أمير الحج أوزبك بك فكنا نطيب نفسا بالاستماع إليه وهو ينشد القصائد فى مدح النبى صلىاللهعليهوسلم ، وكان إذا ما تسلل السأم إلى نفوس الناس من مشقة الطريق كان سرعان ما يزول حينما يستمعون إلى قصائد الشيخ الأسكندرانى فى مدح خير الأنام صلىاللهعليهوسلم ، فكان كل منهم يدعو له بالخير ويقبل يده. إنه عالم نحرير.
ـ الشيخ بكرى زاده أفندى :
إنه سليل أسرة عريقة ، فهو من نسل أبى بكر الصديق رضى الله عنه. كان راسخ القدم فى علم القصائد والمدائح النبوية ، حتى إنه نظم قصيدة فى مدح الرسول صلىاللهعليهوسلم كانت تتلى فى ليالى رمضان بين صلاة التراويح بدلا من التسبيح. وكان من أعاظم العلماء والفضلاء ذوى الاحترام.
ـ نقيب الأشراف السيد محمد أفندى ابن السيد برهان الدين افندى :
وهو ابن المرحوم برهان الدين افندى نقيب الأشراف ، إنه عالم فاضل من تلاميذ المدرسة السليمانية (١) ، وكان مليح الخط ، انتقل والده برهان الدين من دار الفناء إلى دار البقاء وهو فى المائة وأربعين من سنيه. وعندما آلت إليه أملاك أبيه على ضفاف بركة الفيل وجدت الحجج والوصايا لدى الشيخ ، وفى ذلك الوقت كان جان بولاد زاده واليا على مصر ، وطعن فى صحة هذه الوثائق وأسند مدارسهم وقضاء تكيتهم إلى شخص آخر ، واضطر الشيخ إلى التنازل عن ملكيته لبلدتى البساتين والفرزدق ؛ لأن الاحتفاظ بهما يكلفه ضرائب باهظة لا قبل له بسدادها ، ونزلت به كثير من الشدائد وفى النهاية عندما عزل جان بولاد زاده حسين باشا طالب الشيخ باسترداد حقه ؛ فاسترد منه الكثير ، وتم الصلح بينه وبين جان بولاد زاده ومضى الشيخ إلى قلعة الإسكندرية ليتوجه منها إلى الأستانة فوصل إليها وفى معيته الجند المصريين الذين كلفوا بفتح «قمانچه» بعد أن عادوا سالمين مظفرين فأصيب بالحمى المحرقة التى أحرقت جسده الرقيق ولم يطفئ نار حرقة هذه الحمى ماء أربعين نبعا فانطوى دفتر عمره واحترق. وانحنت ظهور مريديه حزنا عليه ، ودفن فى ضريح الأمير البخارى خارج باب أدرنه (٢).
__________________
(١) المدرسة السليمانية : نسبة إلى السلطان سليمان القانونى ، ومقرها إستانبول.
(٢) باب أدرنه : أحد أبواب مدينة إستانبول القديمة.