وبين هؤلاء الذين أسلفنا ذكرهم آلاف ممن كانت لهم قدم راسخة فى شتى العلوم والفنون.
وإذا ما حاولنا أن نعرف بشىء من كرامات وفضائل هؤلاء العلماء لاقتضى ذلك منا تأليف مجلد قائم بذاته ، لذا عرضنا لذلك على وجه الإجمال وبقدر ما أتيح لنا من سياحاتنا فى تلك البلاد فالمعذرة متسعة لنا فى هذا الخصوص. ولكن لا شك فى أن لكبار المشايخ كرامات وقدرة على مكاشفة الغيبيات.
ـ كرامات صبيان الغربية ـ
حينما كان كتخدا إبراهيم باشا واليا على مصر نبّه على جميع معلمى الكتاتيب بالدعاء من أجل حملة «قمانچة» وكانوا يجتمعون مرتين فى الأسبوع فى الجامع الأزهر للدعاء ، وبعد ذلك ـ بناء على أمر الوزير ـ بدأوا يدعون الله فى جوامع السلاطين ولما طالت مدة فتح «قمانجسه» وتأخرت وصول بشائر الفتح دب دبيب اليأس فى نفوس الناس فتقاعسوا عن الذهاب إلى المساجد للدعاء.
واتفق ذات يوم أن كان إبراهيم باشا يتجاذب أطراف الحديث مع إسحاق زاده قاضى العسكر فى مصر فقال له الباشا : إن معلمى المدارس الابتدائية طوع أمرك فنبه عليهم بأن يداوموا على الدعاء للفتح. فقال قاضى العسكر : لا بأس فلنذهب إلى المحكمة ولنستدع جميع معلمى المدارس ولنضرب كلا منهم أربعين أو خمسين عصا على ركبتهم ، إذ إنه لا وجود للفلكة فى البلاد العربية ، ولأن جميع الفلاحين لا يلبسون سراويل فإنهم إذا ما ضربوا على أرجلهم انكشفت عورتهم ، لذلك يضرب الفلاحون على ركبهم وإليتهم بعصا من شجر الشوحط (١). فضرب المعلمون الفقراء ضربا مبرحا على إليتهم وركبهم وعادوا إلى مدارسهم وهم يئنون من شدة الألم فجعل هؤلاء يضربون الصبيان بعصا الشوحط على نفس الموضع الحساس من أجسامهم فجزع الصبيان من الألم وبعد العصر خلدوا إلى الراحة فتملأ بعض الصبيان فى موضع وأثناء لعبهم تنامى إلى علمهم أن ضربهم إنما كان بإيعاز من الباشا وقاضى العسكر فجعلوا يدعون الله عليهما ، فقال بعض المنصفين منهم : إن الباشا يتصدق علينا فلا ينبغى أن ندعو الله
__________________
(١) الشوحط والنّبع والشّريان شجرة واحدة ، ومنه تصنع القسىّ والسهام. لسان العرب (شحط).