مصر كان عادلا فلا يؤخذ أحد في بلاده بغير حق. ومثله ما كان في شرع الرومان من استرقاق المدين ، فتعين أن المراد بالدّين الشريعة لا مطلق السلطان.
ومعنى لام الجحود هنا نفي أن يكون في نفس الأمر سبب يخول يوسف ـ عليهالسلام ـ أخذ أخيه عنده.
والاستثناء من عموم أسباب أخذ أخيه المنفية. وفي الكلام حرف جر محذوف قبل (أَنْ) المصدرية ، وهو باء السببية التي يدل عليها نفي الأخذ ، أي أسبابه. فالتقدير : إلا بأن يشاء الله ، أي يلهم تصوير حالته ويأذن ليوسف ـ عليهالسلام ـ في عمله باعتبار ما فيه من المصالح الجمة ليوسف وإخوته في الحال والاستقبال لهم ولذريتهم.
وجملة (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) تذييل لقصة أخذ يوسف ـ عليهالسلام ـ أخاه لأن فيها رفع درجة يوسف ـ عليهالسلام ـ في الحال بالتدبير الحكيم من وقت مناجاته أخاه إلى وقت استخراج السقاية من رحله. ورفع درجة أخيه في الحال بإلحاقه ليوسف ـ عليهالسلام ـ في العيش الرفيه والكمال بتلقي الحكمة من فيه. ورفع درجات إخوته وأبيه في الاستقبال بسبب رفع درجة يوسف ـ عليهالسلام ـ وحنوه عليهم. فالدرجات مستعارة لقوة الشرف من استعارة المحسوس للمعقول. وتقدم في قوله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) في سورة البقرة [٢٢٨] ، وقوله : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في سورة الأنفال [٤].
وجملة (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) تذييل ثان لجملة (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) الآية.
وفيها شاهد لتفاوت الناس في العلم المؤذن بأن علم الذي خلق لهم العلم لا ينحصر مداه ، وأنه فوق كل نهاية من علم الناس.
والفوقية مجاز في شرف الحال ، لأن الشرف يشبّه بالارتفاع.
وعبر عن جنس المتفوق في العلم بوصف (عَلِيمٌ) باعتبار نسبته إلى من هو فوقه إلى أن يبلغ إلى العليم المطلق سبحانه.
وظاهر تنكير (عَلِيمٌ) أن يراد به الجنس فيعم كلّ موصوف بقوة العلم إلى أن ينتهي إلى علم الله تعالى. فعموم هذا الحكم بالنسبة إلى المخلوقات لا إشكال فيه. ويتعين تخصيص هذا العموم بالنسبة إلى الله تعالى بدليل العقل إذ ليس فوق الله عليم.
وقد يحمل التنكير على الوحدة ويكون المراد عليم واحد فيكون التنكير للوحدة