أي وضعوا أيديهم على الأفواه ثم أزالوها ثم أعادوا وضعها فتلك الإعادة ردّ.
وحرف (فِي) للظرفية المجازية المراد بها التمكين ، فهي بمعنى على كقوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سورة الزمر : ٢٢]. فمعنى (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) جعلوا أيديهم على أفواههم.
وعطفه بفاء التعقيب مشير إلى أنهم بادروا بردّ أيديهم في أفواههم بفور تلقيهم دعوة رسلهم ، فيقتضي أن يكون ردّ الأيدي في الأفواه تمثيلا لحال المتعجب المستهزئ ، فالكلام تمثيل للحالة المعتادة وليس المراد حقيقته ، لأن وقوعه خبرا عن الأمم مع اختلاف عوائدهم وإشاراتهم واختلاف الأفراد في حركاتهم عند التعجب قرينة على أنه ما أريد به إلّا بيان عربي.
ونظير هذا قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) [سورة الزمر : ٧٤] ، فميراث الأرض كناية عن حسن العاقبة جريا على بيان العرب عند تنافس قبائلهم أن حسن العاقبة يكون لمن أخذ أرض عدوّه.
وأكّدوا كفرهم بما جاءت به الرسل بما دلّت عليه إن وفعل المضيّ في قوله : (إِنَّا كَفَرْنا). وسموا ما كفروا به مرسلا به تهكما بالرسل ، كقوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [سورة الحجر : ٦] ، فمعنى ذلك : أنهم كفروا بأن ما جاءوا به مرسل به من الله ، أي كفروا بأن الله أرسلهم. فهذا مما أيقنوا بتكذيبهم فيه.
وأما قولهم : (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) فذلك شك في صحة ما يدعونهم إليه وسداده ، فهو عندهم معرض للنظر وتمييز صحيحه من سقيمه ، فمورد الشك ما يدعونهم إليه ، ومورد التكذيب نسبة دعوتهم إلى الله. فمرادهم : أنهم وإن كانوا كاذبين في دعوى الرسالة فقد يكون في بعض ما يدعون إليه ما هو صدق وحقّ فإن الكاذب قد يقول حقّا.
وجعلوا الشك قويا فلذلك عبر عنه بأنهم مظروفون فيه ، أي هو محيط بهم ومتمكن كمال التمكن.
و (مُرِيبٍ) تأكيد لمعنى (لَفِي شَكٍ) ، والمريب : المتوقع في الريب ، وهو مرادف الشك ، فوصف الشك بالمريب من تأكيد ماهيته ، كقولهم : ليل أليل ، وشعر شاعر.
وحذفت إحدى النونين من قوله : (إِنَّا) تخفيفا تجنبا للثقل الناشئ من وقوع نونين آخرين بعد في قوله : (تَدْعُونَنا) اللازم ذكرهما ، بخلاف آية سورة هود [٦٢](وَإِنَّنا لَفِي