تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام. والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون ، وإن خشيتم هؤلاء المكذّبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوّهم. وهذا كقوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كما تقدم في سورة العقود [٢٣].
والتوكّل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح ، فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءه من خير الدنيا والآخرة. وقد تقدم الكلام على التوكّل عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [٥٩].
وجملة (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) استدلال على صدق رأيهم في تفويض أمرهم إلى الله ، لأنهم رأوا بوارق عنايته بهم إذ هداهم إلى طرائق النجاة والخير ، ومبادئ الأمور تدل على غاياتها.
وأضافوا السبل إلى ضميرهم للاختصار لأن أمور دينهم صارت معروفة لدى الجميع فجمعها قولهم : (سُبُلَنا).
(وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ) استفهام إنكاري لانتفاء توكلهم على الله ، أتوا به في صورة الإنكار بناء على ما هو معروف من استحماق الكفار إيّاهم في توكلهم على الله ، فجاءوا بإنكار نفي التوكل على الله ، ومعنى (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ) ما ثبت لنا من عدم التوكل ، فاللام للاستحقاق.
وزادوا قومهم تأييسا من التأثر بالأذى فأقسموا على أن صبرهم على أذى قومهم سيستمر ، فصيغة الاستقبال المستفادة من المضارع المؤكد بنون التوكيد في (وَلَنَصْبِرَنَ) دلت على أذى مستقبل. ودلّت صيغة المضي المنتزع منها المصدر في قوله : (ما آذَيْتُمُونا) على أذى مضى. فحصل من ذلك معنى نصبر على أذى متوقع كما صبرنا على أذى مضى. وهذا إيجاز بديع.
وجملة (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) يحتمل أن تكون من بقية كلام الرسل فتكون تذييلا وتأكيدا لجملة (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فكانت تذييلا لما فيها من العموم الزائد في قوله : (الْمُتَوَكِّلُونَ) على عموم (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). وكانت تأكيدا لأن المؤمنين من جملة المتوكلين. والمعنى : من كان متوكلا في أمره على غيره فليتوكل على الله.