وأيا ما كان فالكلام تعليل لامتناعه وتعريض بها في خيانة عهدها.
وفي هذا الكلام عبرة عظيمة من العفاف والتقوى وعصمة الأنبياء قبل النبوءة من الكبائر.
وذكر وصف الرب على الاحتمالين لما يؤذن به من وجوب طاعته وشكره على نعمة الإيجاد بالنسبة إلى الله ، ونعمة التربية بالنسبة لمولاه العزيز.
وأكد ذلك بوصفه بجملة (أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، أي جعل آخرتي حسنى ، إذ أنقذني من الهلاك ، أو أكرم كفالتي. وتقدم آنفا تفسير المثوى.
وجملة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) تعليل ثان للامتناع. والضمير المجعول اسما ل (إن) ضمير الشأن يفيد أهمية الجملة المجعولة خبرا عنه لأنها موعظة جامعة. وأشار إلى أن إجابتها لما راودته ظلم ، لأن فيها ظلم كليهما نفسه بارتكاب معصية مما اتفقت الأديان على أنها كبيرة ، وظلم سيده الذي آمنه على بينه وآمنها على نفسها إذ اتخذها زوجا وأحصنها.
والهم : العزم على الفعل. وتقدم عند قوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) في سورة براءة [٧٤]. وأكد همّها ب (لَقَدْ) ولام القسم ليفيد أنها عزمت عزما محققا.
وجملة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا. والمقصود : أنها كانت جادة فيما راودته لا مختبرة. والمقصود من ذكر همّها به التمهيد إلى ذكر انتفاء همه بها لبيان الفرق بين حاليهما في الدين فإنه معصوم.
وجملة (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) معطوفة على جملة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) كلها. وليست معطوفة على جملة (هَمَّتْ) التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام ، لأنه لما أردفت جملة (وَهَمَّ بِها) بجملة شرط (لَوْ لا) المتمحض لكونه من أحوال يوسف ـ عليهالسلام ـ وحده لا من أحوال امرأة العزيز تعين أنه لا علاقة بين الجملتين ، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير : ولو لا أن رأي برهان ربه لهمّ بها ، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به. ولم يقرن الجواب باللّام التي يكثر اقتران جواب (لَوْ لا) بها لأنه ليس لازما ولأنه لمّا قدم على (لَوْ لا) كره قرنه باللام قبل ذكر حرف الشرط ، فيحسن الوقف على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ليظهر معنى الابتداء بجملة (وَهَمَّ بِها) واضحا. وبذلك يظهر أن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يخالطه همّ بامرأة