العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.
قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله : (لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) الآية قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير ، أي تقديم الجواب وتأخير الشرط ، كأنه قال : ولقد همّت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها.
وطعن في هذا التأويل الطبري بأن جواب (لَوْ لا) لا يتقدم عليها. ويدفع هذا الطعن أن أبا عبيدة لما قال ذلك علمنا أنه لا يرى منع تقديم جواب (لَوْ لا) ، على أنه قد يجعل المذكور قبل (لَوْ لا) دليلا للجواب والجواب محذوفا لدلالة ما قبل (لَوْ لا) عليه. ولا مفرّ من ذلك على كل تقدير فإن (لَوْ لا) وشرطها تقييد لقوله : (وَهَمَّ بِها) على جميع التأويلات ، فما يقدّر من الجواب يقدّر على جميع التأويلات.
وقال جماعة : همّ يوسف بأن يجيبها لما دعته إليه ثم ارعوى وانكفّ على ذلك لما رأى برهان ربه. قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن أبي مليكة ، وثعلب. وبيان هذا أنه انصرف عمّا همّ به بحفظ الله أو بعصمته ، والهمّ بالسيئة مع الكف عن إيقاعها ليس بكبيرة فلا ينافي عصمة الأنبياء من الكبائر قبل النبوءة على قول من رأى عصمتهم منها قبل النبوءة ، وهو قول الجمهور ، وفيه خلاف ، ولذلك جوز ابن عباس ذلك على يوسف. وقال جماعة : همّ يوسف وأخذ في التهيّؤ لذلك فرأى برهانا صرفه عن ذلك فأقلع عن ذلك. وهذا قول السديّ ، ورواية عن ابن عباس. وهو يرجع إلى ما بيناه في القول الذي قبله.
وقد خبط صاحب «الكشاف» في إلصاق هذه الروايات بمن يسميهم الحشوية والمجبرة ، وهو يعني الأشاعرة ، وغض بصره عن أسماء من عزيت إليهم هذه التّأويلات (رمتني بدائها وانسلت) ولم يتعجب من إجماع الجميع على محاولة إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ قتله والقتل أشد.
والرؤية : هنا علمية لأن البرهان من المعاني التي لا ترى بالبصر.
والبرهان : الحجة. وهذا البرهان من جملته صرفه عن الهمّ بها ، ولو لا ذلك لكان حال البشرية لا يسلم من الهمّ بمطاوعتها في تلك الحالة لتوفّر دواعي الهمّ من حسنها ، ورغبتها فيه ، واغتباط أمثاله بطاعتها ، والقرب منها ، ودواعي الشباب المسولة لذلك ، فكان برهان الله هو الحائل بينه وبين الهمّ بها دون شيء آخر.
واختلف المفسرون في ما هو هذا البرهان ، فمنهم من يشير إلى أنه حجة نظرية