وجملة (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) في موضع الحال. و (قَدَّتْ) أي قطعت ، أي قطعت منه قدا ، وذلك قبل الاستباق لا محالة. لأنه لو كان تمزيق القميص في حال الاستباق لم تكن فيه قرينة على صدق يوسف ـ عليهالسلام ـ أنها راودته ، إذ لا يدل التمزيق في حال الاستباق على أكثر من أن يوسف ـ عليهالسلام ـ سبقها مسرعا إلى الباب ، فدل على أنها أمسكته من قميصه حين أعرض عنها تريد إكراهه على ما راودته فجذب نفسه فتخرق القميص من شدة الجذبة. وكان قطع القميص من دبر لأنه كان موليا عنها معرضا فأمسكته منه لرده عن إعراضه.
وقد أبدع إيجاز الآية في جمع هذه المعاني تحت جملة (اسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ).
وصادف أن ألفيا سيدها ، أي زوجها ، وهو العزيز ، عند الباب الخارجي يريد الدخول إلى البيت من الباب الخارجي. وإطلاق السيد على الزوج قيل : إن القرآن حكى به عادة القبط حينئذ ، كانوا يدعون الزوج سيدا. والظاهر أنه لم يكن ذلك مستعملا في عادة العرب ، فالتعبير به هنا من دقائق التاريخ مثل قوله الآتي (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) [سورة يوسف : ٧٦]. ولعل الزواج في مصر في ذلك العهد كان بطريق الملك غالبا. وقد علم من الكلام أن يوسف ـ عليهالسلام ـ فتح الأبواب التي غلّقتها زليخا بابا بابا حتى بلغ الخارجي ، كل ذلك في حال استباقهما ، وهو إيجاز.
والإلفاء : وجدان شيء على حالة خاصة من غير سعي لوجدانه ، فالأكثر أن يكون مفاجئا ، أو حاصلا عن جهل بأول حصول ، كقوله تعالى : (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [سورة البقرة : ١٧٠].
وجملة (قالَتْ ما جَزاءُ) إلخ مستأنفة بيانيا ، لأن السامع يسأل : ما ذا حدث عند مفاجأة سيدها وهما في تلك الحالة.
وابتدرته بالكلام إمعانا في البهتان بحيث لم تتلعثم ، تخيل له أنها على الحق ، وأفرغت الكلام في قالب كلي ليأخذ صيغة القانون ، وليكون قاعدة لا يعرف المقصود منها فلا يسع المخاطب إلا الإقرار لها. ولعلها كانت تخشى أن تكون محبة العزيز ليوسف ـ عليهالسلام ـ مانعة له من عقابه ، فأفرغت كلامها في قالب كلي. وكانت تريد بذلك أن لا يشعر زوجها بأنها تهوى غير سيدها ، وأن تخيف يوسف ـ عليهالسلام ـ من كيدها لئلا يمتنع منها مرة أخرى.