الملك كلاما أعجب الملك بما فيه من حكمة وأدب. ولذلك فجملة (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) جواب (لمّا). والقائل هو الملك لا محالة.
والمكين : صفة مشبهة من مكن ـ بضم الكاف ـ إذا صار ذا مكانة ، وهي المرتبة العظيمة ، وهي مشتقة من المكان.
والأمين : فعيل بمعنى مفعول ، أي مأمون على شيء ، أي موثوق به في حفظه.
وترتّب هذا القول على تكليمه إياه دالّ على أن يوسف ـ عليهالسلام ـ كلّم الملك كلام حكيم أديب فلما رأى حسن منطقه وبلاغة قوله وأصالة رأيه رآه أهلا لثقته وتقريبه منه.
وهذه صيغة تولية جامعة لكل ما يحتاج إليه ولي الأمر من الخصال ، لأن المكانة تقتضي العلم والقدرة ؛ إذ بالعلم يتمكن من معرفة الخير والقصد إليه ، وبالقدرة يستطيع فعل ما يبدو له من الخير ؛ والأمانة تستدعي الحكمة والعدالة ، إذ بالحكمة يؤثر الأفعال الصالحة ويترك الشهوات الباطلة ، وبالعدالة يوصل الحقوق إلى أهلها. وهذا التنويه بشأنه والثناء عليه تعريض بأنه يريد الاستعانة به في أمور مملكته وبأن يقترح عليه ما يرجو من خير ، فلذلك أجابه بقوله : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ).
وجملة (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) حكاية جوابه لكلام الملك ولذلك فصلت على طريقة المحاورات.
و (عَلى) هنا للاستعلاء المجازي ، وهو التصرف والتمكن ، أي اجعلني متصرّفا في خزائن الأرض.
و (خَزائِنِ) جمع خزانة ـ بكسر الخاء ـ ، أي البيت الذي يختزن فيه الحبوب والأموال.
والتعريف في (الْأَرْضِ) تعريف العهد ، وهي الأرض المعهودة لهم ، أي أرض مصر.
والمراد من (خَزائِنِ الْأَرْضِ) خزائن كانت موجودة ، وهي خزائن الأموال ؛ إذ لا يخلو سلطان من خزائن معدودة لنوائب بلاده لا الخزائن التي زيدت من بعد لخزن الأقوات استعدادا للسنوات المعبر عنها بقوله : (مِمَّا تُحْصِنُونَ) [سورة يوسف : ٤٨].