بِها) [سورة الإسراء : ١١٠] بقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [سورة الحجر : ٩٤]. وهذا قليل في القرآن الذي يقرأ على المشركين لأن نسخ الأحكام إنما كثر بعد الهجرة حين تكوّنت الجامعة الإسلامية ، وأما نسخ التلاوة فلم يرد من الآثار ما يقتضي وقوعه في مكّة فمن فسّر به الآية كما نقل عن مجاهد فهو مشكل.
ويشمل التعارض بالعموم والخصوص ونحو ذلك من التعارض الذي يحمل بعضه على بعض ، فيفسّر بعضه بعضا ويؤوّل بعضه بعضا ، كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) في سورة الشورى [٥] مع قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) في سورة المؤمن [٧] ، فيأخذون بعموم (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [سورة الشورى : ٥] فيجعلونه مكذّبا لخصوص (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [سورة غافر : ٧] فيزعمونه إعراضا عن أحد الأمرين إلى الأخير منهما.
وكذلك قوله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [سورة المزمل : ١٠] يأخذون من ظاهره أنه أمر بمتاركتهم فإذا جاءت آيات بعد ذلك لدعوتهم وتهديدهم زعموا أنه انتقض كلامه وبدا له ما لم يكن يبدو له من قبل.
وكذلك قوله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [سورة الأحقاف : ٩] مع آيات وصف عذاب المشركين وثواب المؤمنين.
وكذلك قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الإسراء : ١٥] مع قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [سورة النحل : ٢٥].
ومن هذا ما يبدو من تخالف بادئ الأمر كقوله بعد ذكر خلق الأرض (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) في [سورة فصلت : ١١] مع قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) من سورة النازعات [٣٠] ، فيحسبونه تناقضا مع الغفلة عن محمل (بَعْدَ ذلِكَ) من جعل (بعد) بمعنى (مع) وهو استعمال كثير ، فهم يتوهّمون التناقض مع جهلهم أو تجاهلهم بالوحدات الثماني المقرّرة في المنطق.
فالتبديل في قوله تعالى : (بَدَّلْنا) هو التعويض ببدل ، أي عوض. والتعويض لا يقتضي إبطال المعوّض ـ بفتح الواو ـ بل يقتضي أن يجعل شيء عوضا عن شيء. وقد