فبهت الأعداء من هذا الجواب القاطع لهذا الشاب الشجاع وقالوا فيما بينهم : إنّ هذا شاب ساذج وقد خدعه محمّد صلىاللهعليهوآله.
فلمّا سمع الإمام علي عليهالسلام ذلك منهم وأنهم يتحدّثون عن حبيبه بلغة الإهانة قال لهم كلاماً جميلاً جداً وعميق المغزى :
إنّ اللهُ قَدْ أَعْطانِي مِنَ الْعَقْلِ ما لَوْ قُسِّمَ عَلى جَمِيع حُمَقاءِ الدُّنيا وَمَجانِينها لصارُوا بِهِ عُقَلاء وَمِنَ القُوَّةِ ما لَوْ قُسِّمَ عَلى جَمِيعِ ضُعَفاءِ الدُّنْيا لَصارُوا بِهِ أَقْوياءَ ، وَمِنَ الشُّجاعَةِ ما لَوْ قُسِّمَ عَلى جَميعِ جُبَناءِ الدُّنْيا لَصارُوا بِهِ شَجْعاناً. (١)
عند ما سمع الأعداء هذا الجواب تملكهم اليأس وأطرقوا برءوسهم خارجين من المنزل.
فلو كان لدى الإمام علي عليهالسلام ذرة من الشك والتردد بالنسبة إلى إيمانه بالله والرسول فهل يعقل أن يخاطر بحياته مثل هذه المخاطرة؟
٢ ـ في واقعة احد تمكن الأعداء من تحقيق نصر عسكري على المسلمين بسبب غفلة المسلمين وطمعهم في حطام الدنيا ومضافاً إلى ذلك فقد استفاد الأعداء من هذه الغفلة وتحركوا من موقع الحرب النفسية ضد المسلمين حيث صاح أميرهم لما رأى النبي صلىاللهعليهوآله جريحاً في ميدان القتال «لقد قُتل محمّد!» ولما سمع المسلمون هذا النداء هرب الكثير منهم من ميدان القتال كما تقول الرواية ، ولكنّ الإمام علي عليهالسلام الذي كان مؤمناً بانتصار الإسلام وبوعد الله تعالى ولم يتردد لحظة في هذه العقيدة الراسخة لم يلتفت إلى هذا النداء وبقي مستمراً في قتال الأعداء حتّى أصاب جسده الشريف جراح كثيرة ولكنه استمر في القتال والدفاع عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بحيث أدّت شجاعته وإيمانه وسعيه البالغ في دفع الخطر عن النبي صلىاللهعليهوآله إلى إجهاض كيد العدو وأدرك المسلمون أن النبي صلىاللهعليهوآله لم يقتل لحد الآن ، ولذلك عاد الكثير منهم إلى ميدان القتال ، وعلى أيّة حال انتهت الحرب بكلِّ ما تضمنته من صعوبات وتحديات واندحر الأعداء وهم مصابون باليأس من الغلبة على الإسلام وتوجهوا إلى مكّة ، وهكذا اصيب الإمام علي عليهالسلام في هذه المعركة بما يقارب من ٩٠ جرحاً فأرسل له النبيّ صلىاللهعليهوآله طبيبين ليعالجاه ويضمدا جراحه ولكنهم سرعان ما عادوا إلى
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٨٣.