ولكن بالرغم من ذلك فإننا نرى أن إحدى نساء النبيّ رفعت لواء المعارضة والمخالفة لهذا الخليفة ووصي النبي صلىاللهعليهوآله بالحقّ ونقضت بيعته وتحركت على خلاف وصية النبي لنساءه بأن لا يخرجن من بيوتهن ، فتحركت وخرجت من المدينة وركبت الجمل متوجهة إلى البصرة ، وعند ما وصلت إلى منطقة الحوأب وسمعت صوت الكلاب تذكرت قول النبي صلىاللهعليهوآله لها وقالت : «إنا لله وإنا إليه راجعون! ردّوني ردّوني ، هذا الماء الذي قال لي رسول الله : لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب». (١)
عند ما سمعت باسم هذه المنطقة وقيل لها أنها تدعى «الحوأب» عزمت على الرجوع ولكن الأشخاص المتصدين لتثوير الناس للحرب منعوها من ذلك بشتّى الحيل واستمرت في مسيرها.
فهل أن مثل هذه المرأة التي خالفت كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله ورفعت لواء المعارضة والحرب على خليفته بالحقّ وسببت في سفك دماء أكثر من ١٧ ألف نفر من المسلمين هل أنها معصومة وطاهرة من الرجس والمعصية؟
والملفت للنظر أن هذه المرأة هي قد اعترفت بخطئها بنفسها ، وفي مقام الجواب على من سألها عن سبب إقامتها هذه الحرب الضروس وأنه من المسئول عن كلّ هذه الدماء؟ أظهرت الأسف وقالت انه من التقدير الإلهي وتمنت أن هذه الواقعة لم تكن قد وقعت.
وعلى الرغم من أنها اعترفت بخطئها بحيث لا يمكن قبول أيّ توجيه وتبرير لذلك فإنّ بعض العلماء المتعصبين من أهل السنّة ذهبوا إلى أن ذلك نوع من الاجتهاد وأن عائشة لم تكن على خطأ في ذلك.
فهل يصحّ هذا الكلام والادعاء؟ هل أن الاجتهاد في مقابل خليفة النبيّ بالحقّ والذي تقول عنه عائشة «انه أفضل الناس وكلُّ من أبغضه كافر» اجتهاد صحيح؟ فإذا فتحنا هذه الذريعة وقبلنا بهذا التبرير في هذا المورد فلا يبقى أيُّ مذنب على وجه الأرض ، لأن كلّ خطأ له تبرير واجتهاد ويمكن للإنسان أن يحمل معصيته على سبيل الاجتهاد والاستنباط.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ، ص ١٨١.