فإنه أشار بالتحديد إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، فهذا يمكنه أن يكون قرينة قويّة على أن المراد بالمودّة هنا هي الولاية والإمامة ، حيث إنّ المحبّة العادية تشمل جميع أقوام النبي ويجب على الإنسان مودّتهم أجمع.
٢ ـ أورد المرحوم الطبرسي في «مجمع البيان» عن الحاكم الحسكاني في «شواهد التنزيل» نقلاً عن أبي امامة الباهلي الرواية التالية عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ونقرأها أيضاً في مضمونه في دعاء الندبة حيث يقول :
«إنَّ اللهَ تَعالى خَلَقَ الانْبياءَ مِنْ أَشْجارٍ شَتّى وَخَلَقَ أَنَا وَعَلِيّاً مِنْ شَجَرَةٍ واحِدَةٍ فَأَنَا أَصْلُها وَعَلِيٌّ فَرْعُها وَفاطِمَةُ لِقاحُها وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ثِمارُها وَأَشْياعُنا أَوْراقُها ، فَمَنْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصانِها نَجا وَمَنْ زاغَ عَنها هَوى وَلَوْ أَنَّ عبداً عَبَدَ اللهَ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةِ الْفَ عامٍ ثُمَّ الْفَ عامٍ ثُمَّ الْفَ عامٍ حَتَّى يَصيرَ كَالشَّنِّ الْبالي (١) ثُمَّ لَمْ يُدْرِكَ مَحَبَّتَنا كَبَّهُ اللهُ عَلى مِنْخَرَيْهِ فِي النّارِ ثُمَّ تَلا : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى». (٢)
في هذه الرواية الشريفة نلاحظ عدّة نقاط :
الأوّل : إنّ هذه الرواية أيضاً تصرّح بأن «المودّة بالقربى» هي مودّة أهل البيت الطاهرين عليهمالسلام ، وتدلُّ بصورة جليّة وبتعبيرات مثيرة جدّاً على أن هذه المحبّة والمودّة ليست اعتيادية بل هي المحبّة التي تفضي إلى الولاية والخلافة.
الثاني : إنّ الرواية المذكورة آنفاً ترسم في الحقيقة معالم «الشجرة الطيبة» (٣) الواردة في القرآن الكريم ، وأحد تفاسير الشجرة الطيبة يماثل في مضمونه ما ورد في هذه الرواية.
الثالث : إنّ أوراق الأشجار تقوم بحفظ وحراسة الثمار ، فلو لم تكن للشجرة أوراق فإنّ الثمار ستتعرض للذبول في مقابل أشعة الشمس وسائر الآفات المحتملة.
__________________
(١) «شنّ» تعني القربة البالية ، والعرب يطلقون على جميع الآنية والظروف المصنوعة من الجلد (شن) ، ولكن تطلق هذه الكلمة على (القِربة العتيقة) خاصة ، والبالي يعني العتيق ، وعليه فالمراد من هذه العبارة أن الشخص قد يصير بسبب كثرة العبادة وطول العمر والعجز الشديد كالقِربة البالية الفارغة من الماء.
(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٨.
(٣) سورة إبراهيم : الآية ٢٤.