فعند ما نقول أن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يشفع لنا عند الله ويتوسط في حلِّ مشكلاتنا ليكون الله تعالى هو الذي يحلّ هذه المشكلة أو يشافي المريض أو يرزق الفقير فإنّ ذلك ليس من الشرك بل هو عين التوحيد.
وبما أن هذا المعنى انعكس في دائرة المفاهيم القرآنية بوضوح فينبغي القول بأن هؤلاء الوهابيين لا يقبلون بالقرآن أيضاً ، لأن الآية ٤٩ من سورة آل عمران تردّهم ردّاً قاطعاً وتبطل ادعاءاتهم الفارغة واتهاماتهم الباطلة وذلك في قوله تعالى :
(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)
فنرى أن عيسى عليهالسلام يخاطب بني إسرائيل ويقول بانني بعثت رسولاً إليكم من قبل الله تعالى ومعي معجزة ، ثمّ يذكر ثلاث معجزات :
١ ـ (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ)
وهكذا نرى أن المسيح عليهالسلام يقول بأنني أصنع لكم طيراً من طين ثمّ أنفخ فيه الحياة والروح فيتحول هذا التمثال الطيني إلى طائر حي بإذن الله ، أي إنني لا أستطيع التأثير في هذه الأشياء في عرض قدرة الله ومشيئته بل إن قدرتي وتأثيري إنّما هي بإذن الله وليست مهمتي سوى أن أنفخ في هذا التمثال ليتحول إلى طائر فيه حياة وشعور بإذن الله.
٢ ـ (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ)
المعجزة الاخرى لعيسى بن مريم عليهالسلام هي شفاء المرضى المزمنين والأعمى والأبرص وإحياء الموتى ، وطبعاً كلّ هذه الأعمال إنّما أقوم بها بمشيئة الله وإذنه ولا تتصوروا أنني إله أو ابن إله فلست سوى وسيلة لتحقيق هذه الأغراض ، والمصدر الحقيقي هو الله تعالى ، فإحياء الموتى وشفاء المرضى كلّها صادرة من ساحته المقدسة.
٣ ـ (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)
العلامة الثالثة لنبوّة عيسى ابن مريم انه كان يخبرهم بما لديهم من أطعمة وأغذية في بيوتهم ويخبرهم بما يأكلون من طعام وشراب كلُّ ذلك بتعليم الله تعالى.
وهذه الآية الشريفة تمثل ردّاً حاسماً على من ينكر الولاية التكوينية أو ينكر مشروعية التوسل ويتصور بأن ذلك يتنافى مع التوحيد الأفعالي ، وعليه فإذا نسبنا هذه الأفعال إلى غير الله تعالى واعتقدنا بأن الإنسان يمكنه أن يؤثّر في عالم الأسباب والمسببات بإذن الله ومشيئته فإن هذا المعنى لا يتنافى مع التوحيد إطلاقاً.