الثاني : هو طريق بناء الذات وتهذيب النفس وتطهير القلب من شوائب التعلّقات الدنيوية ، لأن الإيمان نور يشرق على قلب الإنسان ، وكلّما كانت مرآة القلب صافية وشفافة انعكس النور عليها بصورة أفضل ، فلو كان القلب ملوثاً بالخطايا والذنوب فإنّ مرآة القلب لا تعكس نور الإيمان حينئذٍ بصورة جيّدة.
وأما بالنسبة إلى الهجرة فقد يتصور البعض أن هذا الأصل المهم في أجواء الدين السماوي خاصٌّ بالمسلمين في صدر الإسلام ، وبعد هجرة المسلمين إلى المدينة انتهى عهد الهجرة في حين أن روايات أهل البيت عليهمالسلام تقرر خلاف هذا المطلب ، حيث نقرأ في الرواية الواردة عن الإمام علي عليهالسلام قوله :
«الْهِجْرَةُ قائِمَةٌ عَلى حَدِّها الْاوَّل». (١)
وتأسيساً على هذا فإنّ الهجرة مستمرّة كالإيمان والجهاد إلى يوم القيامة ، والواجب على المسلمين أن يهاجروا في مختلف الظروف والأحوال ، وطبعاً ففي الكثير من الحالات يختلف شكل الهجرة ، ولذلك نقرأ قول الإمام علي عليهالسلام :
«يَقُولُ الرَّجُلُ هاجَرْتُ وَلَمْ يُهاجِرْ ، انَّمَا الْمُهاجِرُ مَنْ هاجَرَ السَّيِّئاتِ وَلَمْ يَأْتِ بِها» (٢).
أجل ، فالمهاجر الحقيقي هو الشخص الذي ترك القبائح والرذائل والذنوب وتحرّك في خطّ الطاعة والعبودية والتقوى وهاجر من السيئات إلى الحسنات والأعمال الصالحة ، والمهاجر الواقعي هو الشخص الذي يهجر أصدقاء السوء ورفاق مجالس البطالين والملوثين بالذنوب ويبتعد عنهم ، الهجرة من المال الحرام ، من المقام الحرام ، من الذنوب ، واجبة ولازمة ، وبديهي أن هذا النمط من الهجرة لا يختصّ بالمسلمين في أوائل البعثة بل هو وظيفة جميع المسلمين إلى يوم القيامة.
وأمّا الأصل الثالث وهو الجهاد بالنفس والمال فذلك أيضاً مورد الابتلاء في كلّ عصر وزمان ، فالجهاد بالنفس والمال لا يقبل التعطيل والنسخ وخاصّة مع وجود الأعداء الحاقدين الذين يعبّر عنهم القرآن الكريم (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(٣) ، الأعداء
__________________
(١) ميزان الحكمة : ج ١٠ ، ص ٣٠٢ ، باب ٣٩٨٩ ، ح ٢٠٧٥٥.
(٢) بحار الأنوار : ج ٩٧ ، ص ٩٩.
(٣) سورة آل عمران : الآية ١١٨.