الجواب : يستفاد من الآيات التالية أن مسألة إلغاء العهود كانت في موارد العهود التي ليست لها مدّة أو انتهت مدّتها ، وكذلك العهود التي لم تنته مدّتها ولكنّ المشركين نقضوا العهد وتعاونوا مع أعداء الإسلام والمسلمين كما حصل في حرب الأحزاب وأمثالها ، وأما العهود التي لم تنته مدّتها ولم يتخلف أصحابها عن مضمون العهد ولم يساعدوا أعداء الإسلام بشيء فإنّ مثل هذه العهود باقية على قوّتها وفاعليتها إلى انتهاء المدّة المقررة كما ورد ذلك في الآية الرابعة من سورة التوبة لأن العهد محترم جدّاً في نظر الإسلام حتّى لو كان مع العدو ، فلو اقتضت المصلحة أن يكون للمسلمين عهد وميثاق مع الكفّار فيجب أن يحترم المسلمون هذا العهد ويلتزموا به.
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)
بالنسبة إلى «الحجّ الأكبر» وردت تفاسير مختلفة وأفضلها هو أن المراد من الحجّ الأكبر هو «حجّ التمتع» الذي يتضمّن في مناسكه الوقوف في عرفات والمشعر الحرام ومنى والهدي ورمي الجمرات وأمثال ذلك ، والمراد من الحجّ الأصغر هو «عمرة التمتع» (١) ، وعلى أيّة حال فلا بدّ من دراسة هذا الإعلان الإلهي في حجّ التمتّع للسنة التاسعة للهجرة وما ذا كان مضمونه ومحتواه؟ وتستمر الآيات الشريفة بالقول :
(أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ولهذا فإنّ جميع المعاهدات ملغيّة بعد إعلان براءة الله ورسوله من المشركين ، وعلى هذا الأساس فإنّ أمام المشركين والكفّار طريقان لا أكثر : الأوّل هو أن يتوبوا إلى الله ويتركوا الشرك ويدخلوا في الإسلام.
(فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنّ ذلك يؤمن لهم الأمن في الدنيا والسعادة في الآخرة من خلال العمل بتعليمات الإسلام وأداء الواجبات وترك المحرمات.
الثاني : (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ولو أصرّوا على الشرك والحرب مع الحقّ فإنهم لا يستطيعون الخروج من دائرة القدرة الإلهية ومضافاً إلى أن العذاب الإلهي الأليم بانتظارهم.
__________________
(١) وقد ورد في معنى «الحجّ الأكبر» أنه «يوم عرفة» و «يوم الأضحى» ، وللمزيد من الاطلاع انظر : مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٥ ، وتفسير الكشاف : ج ٢ ، ص ٢٤٤.