أن السحرة أنفسهم آمنوا وصدّقوا بموسى وميّزوا بين «المعجزة» وبين «السحر» كان ذلك دافعاً ومحرّكاً لهم على الإيمان بموسى وبالرسالة السماوية ، وعند ما شاهد فرعون هذه الظاهرة العجيبة شرع بالحديث مع السحرة من موقع التهديد والإرعاب وقال لهم :
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)(١)
ولكنّ نور الإيمان جعل من تعذيب فرعون لهؤلاء السحرة سهلاً ويسيراً ولذلك أعلنوا استعدادهم لتقبّل كلّ أشكال التعذيب والقتل على التخلّي عن اعتقادهم وإيمانهم :
(إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢)
ويستفاد من هذه الآيات الشريفة أن «أوّل المؤمنين» يعدّ امتيازاً كبيراً للإنسان بحيث إنه يعتبر كفّارة لجميع الذنوب السابقة ، والعلّة في ذلك واضحة ، لأنه ليس كلُّ شخص مستعداً لأن يكون أوّل المؤمنين ويتقبّل الأخطار والإضرار وجميع التبعات والتحدّيات التي يفرضها الواقع المخالف عليه ، ولذلك فإنّ ثواب «أوّل المؤمنين» يمتاز عن سائر أشكال المثوبات الاخرى.
الإمام علي عليهالسلام كان أوّل المؤمنين بين المسلمين جميعاً ولذلك يعدُّ امتيازاً خاصّاً وفضيلة مهمّة له حيث يعبر ذلك عن شجاعته وشهامته عند ما لبّى نداء النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وشخّص الحقّ من الباطل وأن هذه الدعوة هي دعوة إلهيّة ، ولذلك لم يتردد لحظة في الاستجابة لدعوة النبي وحظى بمنزلة «أوّل المؤمنين إيماناً».
الإنسان الشيعي ينبغي عليه أن يتحلّى بهذه الخصلة والفضيلة أيضاً وعند ما تشيع الفحشاء وتسود المفاسد في المجتمع عليه أن يكون أوّل من يتقدّم لكسر حاجز الصمت والتصدّي لهذه المفاسد والقبائح على المستوى الفكري والأخلاقي ويكون أوّل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وعلى الإخوان الأعزاء الذين يشتركون في مجالس الفرح والسرور فيما لو شاهدوا أن المجلس قد تلوّث بالذنوب والمعاصي ولا أحد من الحاضرين
__________________
(١) سورة الأعراف : الآية ١٢٤.
(٢) سورة الشعراء : الآية ٥١.