والمتسلط على الناس حتّى لو كان متوغلاً في الفساد والجريمة والظلم ، أما الإنسان السافل والساقط فهو من يعيش بعيداً عن أجواء السلطة والحكومة حتّى ولو كان من الناحية الأخلاقية يتّصف بأفضل الصفات والفضائل الأخلاقية ، ولهذا اعترض فرعون على موسى ودعواه النبوّة والرسالة من الله تعالى وقال :
(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)(١) (ليؤيدوا كلامه من كونه مرسل من الله تعالى).
أي أن موسى عليهالسلام وطبقاً لرؤية الفراعنة ونظامهم الأخلاقي كان يعيش بعيداً عن أجواء القدرة والثروة والحكومة إذن فلا يستحق مقام النبوّة والرسالة.
والنتيجة هي أن المعيار الأخلاقي في النظام الفرعوني هو القدرة والثروة والزينة.
ب : وهناك بعض الأنظمة الأخلاقية في بعض المجتمعات والمذاهب الاخرى تعتبر أن كثرة الأموال والأولاد والثروة هي المعيار ، كما ورد في الآية الشريفة ٣٥ من سورة سبأ :
(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)
فهؤلاء يعيشون بنظام من القيم الأخلاقية التي تدور حول محور القوى الإنسانية والاقتصادية ، وطبقاً لهذه العقيدة وهذه الرؤية فإنّ الإنسان الجيّد والمحترم هو من يتمتع بأموال كثيرة وثروة طائلة وأبناء كثيرين وخاصّة إذا كان هؤلاء الأبناء ذكور كما هو حال العرب في زمن الجاهلية حيث كانت العائلة السعيدة هي التي يتوفر فيها كثرة في الأولاد الذكور ، لأن ذلك يمنحهم القدرة على القتال والغارة وعمليّات السلب والنهب أو ينتفع الأب من معونتهم في أعماله الشخصية والاجتماعية.
والخلاصة أن مثل هذا النظام الأخلاقي يعتمد بالدرجة الاولى على مبدأ القوّة البشرية والكثرة في الأموال والأولاد.
وأمّا بالنسبة إلى الرؤية الإسلامية ومنظومة القيم في دائرة المفاهيم القرآنية فإنها تختلف عمّا تقدّم من النظم والمعايير الثقافية ، فكلُّ ذلك لا يعدّ في نظر الإسلام معياراً وقيمةً ذات
__________________
(١) سورة الزخرف : الآية ٥٣.