والعمل» وأخيراً «الحكمة هي معرفة الله» (١) ويمكن جمع هذه المعاني كلّها بمعنى ومفهوم واسع.
وبما أن القرآن الكريم تحدّث في الآية السابقة (الآية ٢٦٨ من سورة البقرة) أن الله تعالى وعد أن يبارك على الإنفاق وأن يغفر لمن ينفق في سبيل الله وحذّره من وسوسة الشيطان وتخويفه من الفقر ، ففي هذه الآية الشريفة أشار إلى هذه الحقيقة القرآنية وهي أن «الحكمة» هي الأداة والوسيلة للتمييز بين «الإلهي» و «الشيطاني» وبذلك يستطيع الإنسان أن يتخلص من وساوس الشيطان ويبعد نفسه عن الوقوع في مصائده وفخاخه.
وأما في عبارة «من يشاء» فلا تتضمن أن الله تعالى يرزق الحكمة والمعرفة بدون مبرر وبطريقة عشوائية بل إنّ مشيئة الله وإرادته مقرونة دائماً مع الحكمة ، أي أنه لا يعطي الحكمة لمن لا يستحق ولا يليق بها ، بل يؤتي الحكمة ويروي عطش الإنسان لها فيما لو كان الإنسان قابلاً لها ومستعداً لتقبلها.
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)
وبالرغم من أن الله تعالى هو الذي يؤتي الحكمة لعباده إلّا أن هذه الآية لم تذكر الفاعل لهذا العطاء ، بل اقتصرت على القول «ومن يؤتَ الحكمة» وهذا التعبير يشير إلى أن الحكمة والمعرفة بذاتها حسنة وجيّدة من أي مكان حصل عليها الإنسان فلا يختلف حالها في الحسن باختلاف مصدرها ، والملفت للنظر أن الآية الشريفة تقرر هذه الحقيقة ، وهي أن كلّ من رزق العلم والمعرفة والحكمة فقد رزق الخير الكثير لا «الخير المطلق» لأنّ الخير المطلق أو السعادة المطلقة لا تكمن في العلم والحكمة فقط بل إنّ العلم والحكمة هي أحد أدوات الخير والسعادة.
(وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) «تذّكر» يعني حفظ العلوم والمعارف في واقع النفس والروح و «الألباب» جمع «لُبّ» وبما أن لُبّ الشيء هو أهم جزء من أجزائه وأفضل أقسامه ولذلك اطلق على العقل كلمة «لُبّ» لأنه أفضل أجزاء الإنسان ، فالآية الشريفة تقول : إنّ أصحاب العقل والمعرفة هم فقط الذين يدركون هذه الحقائق ، ويتذكرونها وينتفعون منها ،
__________________
(١) وردت الاحتمالات الأربعة مع ستة احتمالات اخرى في «مجمع البيان» : ج ٢ ، ص ٣٨٢.