لا يدرك ما وراء المتخيلات ، والوهم لا يدرك المعقولات ، فمن لا عقل له لا يدرك المعقولات الصرفة ، قال تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) وهم أرباب العقول الكاملة والسائرون إلى الله فإنهم لما عبروا بالسلوك عن النفس وصفاتها والقلب وصفاته ووصلوا إلى مقام السر وعرفوا بعلم السر معنى القلب والنفس والحس كما عرفوا بنور الحس سائر المحسوسات وبنور الخيال المتخيلات وبنور الوهم الموهومات ، وإذا عبروا عن السر ووصلوا إلى عالم الأرواح عرفوا بنور الروح السر ، وإذا عبروا عن عالم الروح ووصلوا إلى ساحل بحر الحقيقة ، عرفوا بأنوار مشاهدات صفات الجمال عالم الأرواح وما دونها ، وإذا فنوا بسطوات الجلال عن إنانية وجودهم ووصلوا إلى لجة بحر الحقيقة ، كوشفوا بهوية الحق تعالى ، وإذا استغرقوا في بحر الهوية الأحدية وبقوا ببقاء الألوهية عرفوا الله بالله ، ووحدوه وقدسوه وعرفوا به كل شيء.
وهذا هو مسئول دعاء النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : «رب أرنا الأشياء كما هي» وكان قبل هذا وقت (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فحينئذ وقت (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وهذا مقام «كنت له سمعا وبصرا ويدا ، وبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يبطش» ففي هذه الحالة كيف يبقى لمعرفة الروح حظر عند من له هذه المقامات العلية.
واعلم أن الروح شيء واحد في ذاته وحقيقته ، وتعدده بحسب تعدد النفوس المتصلة به ، وكذا عالم الأمر موجود واحد بالذات متكثر بحسب جهات الإفاضات والإيجادات (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) وهكذا الكلام ، وغير ذلك من الأمور الإلهية ، فإن من وراء عالم الخلق وعالم الدنيا وما فيها وما معها وهو عالم النور ، كله مراتب الإلهية ، كأنها طبقات بسيطة متفاوتة في شدة النورية وضعفها ، وكل طبقة منها منطوية مقهورة تحت طبقة أعلى منها ، وهكذا إلى نور الأنوار ، فالكل منطوية مطموسة تحت سلطان نوره ، وسطوة كبريائه (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).
وعالم الخلق طبقاته ظلمات بعضها فوق بعض ، وكلما هو أبعد من