الأجساد البشرية أن يحصل منها الأرواح الناطقة ، ومن الأرواح الناطقة أن يحصل خليفة الله في أرضه ، كما دل عليه بقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فحقيقته الباطنية هي الروح الأعظم ، والنفس الكلية وزيره وترجمانه ، والطبيعة عامله ورئيسه ، والعملة من القوى الطبيعية جنوده ، وكذلك إلى آخره. وأما صورته الظاهرة فصورة العالم من العرش إلى الفرش وما بينهما من البسائط والمركبات ، فهذا هو الإنسان الكبير المشير إليه قول المحققين ، العالم إنسان كبير. وإنما سمي إنسانا ، لإمكان وقوع الإنس بينه وبين الخلق برابطة الجنسية وواسطة الإنسية وأرادوا بالعالم حقيقة العالم وذاته وروحه الأعظم أعني العقل البسيط الذي اندمجت فيه صورة ما في العالم ظاهره وباطنه ، وهو أول ما خلق الله وأبدعه. وأما قولهم : الإنسان عالم صغير ، أرادوا به الكمل من أفراد البشر ، وهو خليفة الله في الأرض لقوله في حق آدم (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وقوله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).
والإنسان الكبير خليفة الله في السماء والأرض ، وماهيتهما واحدة ، وهذا الإنسان نسخة منتسخة ونخبة منتخبة من الإنسان الكبير بمثابة الولد من الوالد ، فله أيضا حقيقة باطنة وصورة ظاهرة ، أما حقيقته الباطنة فالروح الجزئي المنفوخ من الروح الأعظم ، نسبته إلى ذلك كنسبة الشعاع إلى الشمس ، فكذلك عقله الجزئى ونفسه الشخصية والطبيعة الشخصية ، وأما صورته الظاهرة فنسخة منتخبة من صورة العالم الظاهر ، فيها من كل جزء من أجزاء العالم ، لطيفها وكثيفها قسط ونصيب ، فسبحان من صانع جمع العالم في واحد.
من كل شيء لبة ولطيفه ، مستودع في هذه المجموعة وصورة كل شخص كامل نتيجة صورة آدم وحواء ، ومعناه نتيجة الروح الأعظم والنفس الكلية اللذين هما آدم كلي وحواء كلية ، ومن هذا يصح أن يقول الكامل من أولادهما.
وإني وإن كنت ابن آدم صورة |
|
فلي فيه معنى شاهد بأبوتي |