موسى الرضا عليهالسلام يا ابن رسول الله أخبرني عن الجنة والنار ، أهما اليوم مخلوقتان ، قال نعم قد دخل رسول الله (ص) الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء ، قال فقلت له إن قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين ، فقال عليهالسلام : ما أولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلىاللهعليهوآله وكذبنا ، وليس في ولايتنا على شيء ويخلد في نار جهنم ، قال تعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) ، وقال النبي (ص) : لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة ، فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليهاالسلام ففاطمة حوراء فكلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليهاالسلام.
وبالجملة الدنيا هي النشأة النارية الداثرة الكائنة الفاسدة ، من ركن إليها استحق النار ، والآخرة هي النشأة النورية العلمية الباقية ، وهي صورة الجنة ومنازلها ، إلا أنها محجوبة عن هذه الحواس لانغمارها في البدن الذي هو أيضا من الدنيا ، فمن عرف نفسه وعرف ربه تجرد ذاته عن غشاوة الدنيا وصار من أهل الآخرة ونعيمها ، ومن لم يستكمل ذاته بقوة الإيمان ونور العرفان ، ولم ينتزع صورته عن المادة البدنية ، ولم يتجرد ذاته عن مقبرة الدنيا وتابوت البدن الذي استحق بذاته أن يصير صندوقا من صناديق الجحيم ، فلا نجاة له من عذاب النار ، ولا خلاص له منها إلى محل الأبرار ومعدن الأنوار.
والعارف يشاهد ببصيرته أن الدنيا ضد الآخرة وأنها معدن الجهل والكفر ومنشأ الظلمة والعذاب في يوم القيامة ، وأنها مذمومة ، شهواتها مهلكة ، ظلماتها مغوية ، وهي مع ذلك لا بد منها لأنها مزرعة الآخرة في حق من عرفها ، إذ منها ينشأ بذر الثمرات الأخروية ، فمن تزود منها للآخرة واقتصر على قدر الضرورة فقد حرث وبذر وسيحصد في الآخرة ما زرع ، وحقيقة هذه الحراثة هي الإيمان والزهد ، أعني اكتساب أنوار المعلومات