لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وأردف هذا الكلام بقوله : (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، إشارة إلى الحياة العقلية النورية ، ومقابلها وهو موت الجهل كما في قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) الآية ، إشارة إلى أن مبدأ هذه الحياة من عالم الأمر الذي وجوده بكلمة الله التامة الوجودية ، ولا يتعلق وجوده بشيء آخر كبدن أو مادة أو طبيعة أو غيرها.
وقال تعالى إشارة إلى مبادي تكون الإنسان ونفسه : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) ، وهذه التسوية فعل وقع من جانب الله في محل قابل لفيضان الروح بعد تردده في أطوار الخلقة بالتسوية والتعديل ، وكما أن القابل للصورة النارية لا يمكن أن يكون جسما يابسا محضا كالتراب والحجر ولا رطبا محضا كالماء والشجر الرطب ، بل لا بد لقبولها من مادة دخانية تحدث من نبات يابس لطيف فتشبث به النار وتشتعل فيه ، كذلك الطين ، بعد أن أنشأه الله خلقا بعد خلق في أطوار متعاقبة يصير نباتا ، فيأكله الآدمي فيصير دما ، فينزع القوة المميزة المركوزة في كل حيوان من الدم صفوه الذي هو أقرب إلى الاعتدال وأبعد من الكثرة والتضاد ، فيصير نطفة يقبلها الرحم ويمتزج بها مني المرأة فيزداد اعتدالا ، ثم ينضجها الرحم بحرارته فيزداد تناسبا حتى ينتهي في الصفا ، واستوى نسبة الأجزاء إلى غاية يستعد لقبول النفس وإمساكها ، كما يستعد الفتيلة الممتزجة بالدهن لقبول النارية وإمساكها ، ثم هذه النفس الآدمية كأنها نطفة روحانية وقعت من صلب القضاء في مشيمة البدن ورحم الدنيا ، يحتاج إلى تصفية وتعديل الأخلاق والملكات النفسانية ، بأدهان المعارف ولبوب الأغذية العلمية ، لتصير مادة لفيضان الروح الإلهي المنفوخ بإذن الله في قالب العقل الهيولاني بعد تطوره بالأطوار الملكية ، والتسوية عبارة عن هذه الأفعال المرددة لمادة خلقة الإنسان في الأطوار السالكة بها إلى صفة الاستواء صورة ومعنى.
فالتسوية تسويتان ، بإحداهما يحصل الإنسان البشري لأجل فيضان