والسادس أن من عرف نفسه عرف أن يسوسها ، ومن أحسن أن يسوس نفسه وجنودها أحسن أن يسوس العالم فيستحق أن يصير من خلفاء الله تعالى المذكورة في قوله تعالى ، (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، ومن الملوك المذكورة في قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً).
السابع أن من عرفها لم يجد عيبا في أحد إلا رءاه موجودا في ذاته ، إما ظاهرا مشهودا وإما كامنا كمون النار في الحجر ، فلا يكون غيابا همازا لمازا معجبا متفاخرا ، فإن كل عيب تراءى له من غيره وجده في نفسه ، ومن تراءى له عيب نفسه فجدير به أن يكون ممن دعا له النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : رحم الله من أشغله عيبه عن عيب غيره.
والثامن أن من عرف نفسه فقد عرف ربه ، وقد روي أنه ما أنزل الله كتابا إلا وفيه ، اعرف نفسك يا إنسان تعرف ربك ، وفي الخبر ثلاثة تأويلات.
أحدها أن بمعرفة النفس يتوصل إلى معرفة الرب ، كقولك : اعرف العربية تعرف الفقه ، أي بمعرفة العربية يتوصل إلى معرفة الفقه ، وإن كان بينهما وسائط.
والثاني أنه إذا حصل معرفتها حصل بحصول معرفتها معرفة الله بلا فاصل ، كقولك : بطلوع الشمس يحصل الضوء ، مقترنا بها وبطلوعها غير متأخر عنه بزمان.
والثالث أن معرفة الله ليست تحصل إلا أن تعرف النفس ، لأنك إذا عرفتها على الحقيقة تعرف العالم ، وإذا عرفت العالم تعرف الحق تعالى.
وفيه وجه رابع وهو أنك إذا عرفت النفس فقد عرفت الرب ، وهذا هو الغاية في معرفته ، لا يمكن لك فوق هذه المعرفة ، وإليه الإشارة بما قال علي عليهالسلام : إن العقل لإقامة رسم العبودية لا لإدراك الربوبية ، ثم تنفس الصعداء وأنشأ يقول :
كيفية النفس ليس المرء يدركها |
|
فكيف معرفة الجبار في القدم |
هو الذي أنشأ الأشياء مبتدعا |
|
فكيف يدركه مستحدث النسم |