أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) ، تنبيها على أنهم لو تدبروا أنفسهم وعرفوها ، عرفوا بمعرفتها حقائق الموجودات فانيها وباقيها ، وعرفوا بها حقيقة السماوات والأرض ، ولما أنكروا البعث الذي هو لقاء ربهم وقال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ، وقال : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
والثالث أن من عرف نفسه عرف العالم ، ومن عرف العالم صار في حكم المشاهد لله تعالى ، لأنه خالق السماوات والأرض ، ولم يك كالكفرة الجهلة الذين اتكلهم الله ووبخهم في جهلهم وانحطاطهم عن هذه المنزلة ، فقال فيهم : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).
والرابع أنه يعرف بمعرفة روحه العالم الروحاني وبقاءها ، وبمعرفة جسده العالم الجسداني ودثورها وفناءها ، فيعرف خسة الفانيات الداثرات ، وشرف الباقيات الصالحات ، كما قال : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
والخامس أن من عرف نفسه عرف أعداءه الكامنة فيها المشار إليه بقوله صلىاللهعليهوآله «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» فيستعيذ منها ، كما في قولهم عليهمالسلام : «اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي ، وقوله : لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأهلك» ، ومن عرف أعاديه الكامنة ومكايدها وكيفية انبعاثها ، أحسن أن يحترز منها وأن يجاهدها ، فيستحق ما وعد الله به المجاهدين في سبيله ، ومن لم يعرفها فجدير أن يتراءى له عدوه الذي هواه بصورة العقل ، فيسول له الباطل بصورة الحق ، كما قال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، وقوله : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ، وكما ورد في قوله صلىاللهعليهوآله : الهوى شيطان ، وقوله : الهوى إله يعبد من دون الله ، وروي أيضا أنه قال : ما عبد في الأرض إله أبغض إلى الله تعالى من الهوى ، ثم تلا (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ).