في الشرائع الحقة الإلهية من صيرورة النفوس الآدمية على صور أنواع الحيوانات ، مناسبة لأعمالهم وأفعالهم المؤدية إلى ملكاتهم ، ولهذا قيل : ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ ، ثم إن المتأخرين كأبي نصر وأبي علي ومن يقتفي أثرهما ، لما لم يظفروا بتحقيق النشأة الأخروية الجزئية للنفوس الحيوانية المنسلخة عن الأبدان الطبيعية ، التجئوا تارة إلى القول بأن النفوس الشقية الفاجرة ينتقل بعد هذا البدن إلى أبدان الحيوانات الصامتة في جهنم ، وهي عالم العناصر عندهم والنفوس الكاملة العارفة يرتقى إلى عالم السماوات وهي الجنة عندهم ، وهذا ما ذهب إليه إخوان الصفا ، وتارة التجئوا إلى القول بأن بعض النفوس كنفوس البله والعوام لا حشر لها ، وأن بعض الصلحاء الغير العارفين ينتقل نفوسهم ببعض الأجرام السماوية وتصير موضوعا لتخيلاتهم حسب ما وعدهم الشريعة ، ونفوس الأشقياء أيضا يتعلق بتلك الأجرام ، وعند بعضهم كصاحب التلويحات تتعلق هذه النفوس الشقية بجرم دخاني غير منخرق تحت كرة القمر وفوق العناصر ، وكل هذه الأقوال خروج عن طريق الصواب وانحراف عن جادة الحق ، وقد علمت من طريقتنا خراب الأفلاك ومن فيها فضلا عما تحتها ، وأيضا لزوم التناسخ المستحيل بحاله ، وأيضا الجسم التام الصورة والكمال يستحيل أن يصير منفعلا عن مؤثر آخر ليس طبيعة له ولا مدبرا لجرمه ، وما لم ينفعل عن مؤثر آخر كيف يصير موضوعا لتصرفاته وتأثيراته.
والعارف بكيفية ارتباط النفس بالأجرام الطبيعية يكفيه في الحكم بفساد ما ذكروه أدنى تأمل ، بل الحق القراح ما لوحناك إليه من تصور النفوس بصور ملكاتهم وهيئاتهم ، وهي أبدانهم المكتسبة المحشورة في النشأة الآخرة ، وتلك الأبدان معلقة ليست قائمة بمادة طبيعية ، ولا في جهة من جهات العالم الوضعي ، ونسبتها إلى النفوس نسبة الفعل اللازم إلى فاعله لا نسبة القابل إلى المقبول ، ولا نسبة المادة المستعدة لتعلق النفس إلى النفس ، وهذا مطابق لما ذهب إليه أهل الشرائع الحقة وعليه يحمل كلام قدماء الحكماء في باب التناسخ ، وهو المراد من الآيات القرآنية الدالة