والمخالب ، ولا جناحا يهرب به عن الأعداء كما للطير ، ولا قوة المشي والجري في الماء كما للحيتان ، ولا الكفاية في لباسهم كما في سائر الحيوان ، حيث أغناها عن كثير ما يفتقر إليه الناس ، ولأجل ذلك قال تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ، وذلك الظن صحيح من وجه ، فاسد من وجه ، أما وجه صحته فلما أشرنا إليه من أن فعلية الوجود وتأكد الصورة يمنع عن قبول الكمال الأعلى والفضيلة القصوى ، وأما وجه فساده فلما زعموا أن ذلك تمام صورة الإنسان ، ولم يعلموا أن ذلك ابتداء خلقته ومادة نشوه وكماله ، كالحبة بالقياس إلى الشجرة والنطفة بالقياس إلى الحيوان ، ولو كانت للحبة صلابة الحجر لم يمكن وصولها إلى غاية النمو ، ولو كانت للنطفة قوة الشجرية استحال أن يصل إلى قبول الحياة ، فلو لم يكن في الإنسان بحسب أول الفطرة الخلو عن كل فضيلة وعلم ، لما كان في جوهر ذاته صلوح كل فضيلة وعلم ، ولأجل التنبيه على ذلك قال تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، ولا حاجة إلى ما ذكره بعضهم في معنى قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ، من أن المراد أنه ضعيف بالقياس إلى الملإ الأعلى لا بالإضافة إلى الحيوانات ، بل أن هذا الضعف أعده للوصول إلى الدرجة العليا والاستحقاق لخلافة الله تعالى.
قال بعض الحكماء جعل الله لكل شيء كمالا ينساق إليه طبعا ، وقد هداه إلى التخصيص به تسخيرا ، كما نبه عليه بقوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، وللإنسان سعادات كثيرة أبيحت له ، وهي النعم المذكورة في قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ، وجميع النعم على القول المجمل ضرب دائم لا يبيد ولا يحول وهو النعم الأخروية ، وضرب يبيد ويحول وهو النعم الدنيوية ، وما أحد إلا وهو نازع إلى سعادة يطلبها بجهده ، ولكن كثيرا يخطئ فيظن ما ليس بسعادة في ذاته أنه سعادة ، فيغتر بها فيكون كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) ، وقوله : (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) ، لأنها كلها غرور وفتنة كما قال الشاعر :