الفطرة أي من العدم إلى الوجود هو الجنة التي كان فيها أبونا آدم (١) وأمنا حواء ، كما قال : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ، والسقوط الثاني له من العدم إلى الوجود ، هو الهبوط منها إلى دار الدنيا ، لقوله تعالى : (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) ، والرجوع إلى الفطرة هو العود من هذا الوجود المجازي إلى العدم ، وهو إما عدم القالب بالموت الطبيعي (٢) ، (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) وبه يستحق المؤمن من أصحاب اليمين جنة السعداء ، والكافر من أصحاب الشمال جحيم الأشقياء ، والثاني عدم (٣) النفس بموت الفزع قوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، وبه يستحق جنة الكاملين ، (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) ، والثالث عدم الروح بموت الصعق والفناء في التوحيد ، قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، وبه يستحق جنة الموحدين ، (فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).
اعلم أن المجيء إلى الدنيا هو النزول من الكمال إلى النقص والسقوط من الفطرة الأولى ، ولا محالة صدور الخلق من الخالق ليس إلا على
__________________
(١) يعني أن ذلك المسقط هو تلك الجنة ولتلك الجنة عالمان عالم الملكوت الروحاني وعالم الملكوت الصوري والسقوط من تلك الجنة إلى الدنيا بلا واسطة وفاصلة إنما هو السقوط من الجنة الصورية إلى محاذيها في المراتب الصعودية العودية جنة أصحاب اليمين الذين هم المحشورون بالصور والقوالب الجسمانية وهو المعروف بعالم المثال الواسطة بين العالمين عالم الروحاني المعنوي العقلاني وعالم الطبيعي الجسماني الهيولاني (نوري قدسسره)
(٢) وهو موت البدن يقوم الساعة والقيامة الصغرى ، ولعدم النفس يقوم الساعة والقيامة الوسطى ، ولعدم الروح يقوم الساعة والقيامة الكبرى. (نوري قدسسره)
(٣) يعني من هذا العدم انقلاب الوجود الصوري الملكوتي المثالي المجرد عن المادة الهيولانية والمدة الزمانية بوجود الروحاني المعنوي المجرد عن الصورة وعن المادة والمدة الواسطة بين عالم اليوم الإلهي السرمدي وبين اليوم النفساني الدهري الصوري المعروفة باليوم الربوبي وذلك العالم الواسط برزخ روحاني بين الوجود الحقاني وبين الوجود الإمكاني الصوري المجرد والوجود الهيولاني وبنفخة الفزع ينتقل الأرواح من القوالب الصورية إلى ذلك العالم الواسط الروحاني الغير الحقاني ثم ينتقل تلك الأرواح بنفخة الصعق إلى الوجود الحقاني الذي هو عالم وجه الله الباقي ببقاء الله (نوري قدسسره)