إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، وقوله : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) ، وقوله : (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) و (لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ).
قال بعض أهل المعرفة : الحق الذي لا شك فيه أن علم الساعة مردود إلى الله ، كما قال : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، وليس للمحجوبين أن يؤمنوا بشيء من أسرارها وأشراطها ، إلا كإيمان الأكمه بالألوان من طريق الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، وكما أن مدركات العقل أسرار على الحواس فكذلك مدركات القيامة أسرار على العقل النظري ، فلا يتصور أن يحيط بها أحد ما دام في الدنيا ولم يتخلص عقله عن أسر الوهم وقيد الخيال ، وقول الكفار (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سؤال عما يستحيل الجواب عنه على موجبه ، فإن أمر الساعة كان (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ، ومتى سؤال عن زمان معين للحركات والمتحركات الزمانية ، فاستحال الجواب عنه ، وهو كقول القائل الأكمه إذا وصفنا له المبصرات من الألوان وغيرها كيف نشم أو نذوق هذه الألوان ، والجواب الحق عن ذلك أن العلم بها أن يقال لهم إن العلم بذلك عند الله ، فمن رجع إلى الله تعالى وحشر إليه كان يعرف حينئذ علم الساعة وأنه عند الله كما قال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها).
واعلم أن أهل الحجاب وأصحاب الظن والارتياب يزعمون يوم القيامة بعيدا عن الإنسان بحسب الزمان كما قال : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ، وغائبا عنه بحسب المكان ، كما قال : (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، وأما أهل العلم واليقين فيرونه قريبا بحسب الزمان كما قال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ، ويرونه حاضرا بحسب المكان كما قال : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) ، وقوله : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) ، وكان نبينا صلىاللهعليهوآله يشاهد الجنة وخازنها ويتناول من ثمارها ، وكان أيضا يشاهد النار و