أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ، وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) ، إلى غير ذلك من الآيات والحجج والبينات ، ومع ذلك فالناس غافلون عنها معرضون عن سلوك الآخرة ، كما قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) ، وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) ، إشارة إلى أنهم مع كونهم مارين على منازل الآخرة بحسب الغريزة والطبع معرضون عنها بحسب الإرادة والكسب ، لآفة ومرض قد طرأت على نفوسهم ، وغيرتها عما جبلت عليه ، وقوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، وقوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ، وأما سبب إعراضهم عن سلوك طريق الآخرة فهو أشياء كثيرة ، لكن مع كثرتها وكثرة شعبها مندرجة تحت ثلاثة أمور ، كما قيل : رؤساء الشياطين ثلاثة ، شوائب الطبيعة ، ووساوس العادة ، ونواميس الأمثلة.
أما الأولى فعبارة عن دواعي الطبيعة وشهوات النفس والهوى المشار إليها في قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) إلى قوله (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وهي كلها حجب وأغطية على القلوب إذا استغرقت فيها واستحكمت تصير غشاوة وطبعا ورينا على مرآة القلب ، وعمى على عينه ، ووقرا على أذنه ، كما في قوله تعالى : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) و (جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ، وقوله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) ، وقوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، وذلك لأن السمع والبصر وغيرهما من المدارك التي يمكن بها إدراك الأمور الآخرة ليست هذه الظواهر المادية التي اشتركت فيها سائر الحيوانات مع الإنسان ، بل هذه قشور وملابس على تلك الحواس التي تدرك بها أمور الآخرة ، كما أن مدركات هذه المشاعر قشور وقبور وحجب على مدركات تلك المشاعر ، وهي الصور الموعودة في الجنان ، المستورة عن أعين الخلائق من الإنس والجان ، كما قال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما