سجلات الكتاب ، وغيره لا يمكن له السعي والمشي إلا بالاقتداء به والاعتصام بعروته والتمسك بضياء نوره وقوته ، كالأعمى في المشي بالقائد الآخذ بيده ، على أن لكل طائفة صراطا تمر عليه كما قال تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقد علمت أن لكل موجود حركة جبلية وتوجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ، وللإنسان مع تلك الحركة الجبلية حركة إرادية نفسانية لباعث ديني ، وهذا المعنى أي تقلب الوجود في أطواره الكمالية مشاهد مكشوف لأهل البصيرة في أكثر الموجودات ، وخصوصا في الإنسان لسعة دائرة وجوده وعظم قوسه الصعودية إذا لم ينحرف عن صراط ربه ولم يسقط عن فطرته ، قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، فالاستقامة عليه والتثبت فيه هو الذي كلف الله عباده به وأرسل رسوله إليهم ، وأنزل الكتاب عليهم لأجله وباقي الصراطات ليس شيء منها ، هو هذا الصراط المختص بأهل الله ، لأن كلا منها يؤدي سلوكه إلى غاية أخرى غير لقاء الله ، وإلى مظهر اسم آخر غير الرحمن الرحيم ، كالقهار والمنتقم والجبار وغير ذلك ، وإلى منزل آخر غير الجنة والرضوان كطبقات النيران ، كما حققه العرفاء قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، والاستقامة عليه هي المراد بقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) ، والانحراف عنه يوجب السقوط عن الفطرة والهوي إلى جهنم التي «قيل لها (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)» ، وهذا الصراط هو المدعو للمصلي في كل صلاة بقوله اهدنا الصراط المستقيم ، وهو «أدق من الشعر وأحد من السيف» ، لأن كمال الإنسان منوط باستعمال قوتيه ، أما القوة النظرية فلإصابة نور اليقين في الأنظار الدقيقة التي هي أدق من الشعر ، وأما القوة العملية فبتوسيط قواها الثلاثة التي هي الشهوية والغضبيه والفكرية في الأعمال ، لتحصل للنفس حالة اعتدالية متوسطة بين الأطراف غاية التوسط ، وهي أحد من السيف ، فالصراط له وجهان ، أحدهما أدق من الشعر ، والآخر أحد من السيف ، والانحراف عن الوجه الأول