من أهل السماوات والأرض ، لكون ذواتهم خارجة من عالم الأجسام وصورها ونفوسها ، ولا يجري عليهم تجدد الأكوان ولا تغير الزمان ، لاستغراقهم في بحر قهر الأحدية وسطوة نور القيومية كالملائكة المهيمين ومن يجري مجراهم في أن هوياتهم مطوية تحت الشعاع القيومي ، فلا التفات لهم إلى ذواتهم ، ولا علم لهم إلى غير الله (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). والثانية لأجل الإحياء بعد الإماتة حياة أخرى أرفع من الأولى ، قوله : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ، أي أرض المحشر وأرض الجنة وكذا النفوس. واعلم أن المواد الكونية بصورها الطبيعية القابلة للاستنارة بالأرواح كالفحم في استعداده للاشتعال ، والصورة البرزخية كامنة فيها بحسب ذلك الاستعداد كمون الحرارة والحمرة في الفحم ، والصور النفسانية كامنة في الصور البرزخية كمون الاشتعال والإنارة في الحرارة ، ففي النفخة الأولى زالت الصور الطبيعية بالإماتة ، والصور البرزخية استعدت لقبول الاستنارة بالأرواح الكامنة فيها استعداد الفحم بالنار التي كمنت فيه لقبول الاشتعال ، فينفخ إسرافيل وهو المنشئ للأرواح في الصور نفخة ثانية فتستنير بأرواحها (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) ، فيقوم تلك الصور إحياء ناطقة بما ينطقهم (اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ، فمن ناطق بالحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ، ومن ناطق «ب (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) وكل واحد ينطق بحسب علمه وحاله وما كان عليه ، ونسي حاله في البرزخ ، فيتخيل أن ذلك منام كما يتخيله المستيقظ من هذه النوم ، وقد كان عند موته وانتقاله كالمستيقظ وأن الحياة الدنيا كالمنام وهي في جنب البرزخ والآخرة كمنام في منام ، وهذا القيام إنما يتحقق عند القيامة وفي القيامة يتحقق البعث ، لقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) ، وعند البعث يتحقق الثواب والعقاب.