ثم إنه جعل الله تشريف سائر الأنبياء عليهمالسلام ، مثل تشريف هذه الأمة ـ المرحومة لمحمد صلىاللهعليهوآله ، حيث قال لهذه الأمة : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) ، فشتان بين نبي تشرف بكتابة الموعظة له في الألواح ، وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم.
وجه آخر : القرآن تنزل على قلب الرسول ، وسائر الكتب نازلة على صدر الأنبياء ، وفرق بين تعلمهم الكتاب وبين تعلم نبينا الكتاب ، فكانوا يتدارسون الكتب ، وخاتمهم صلىاللهعليهوآله كان متخلقا بالقرآن.
وجه آخر في الفرق بين ما أفاد له صلىاللهعليهوآله ، تنزيل الكلام ، وبين ما أفاد لهم عليهمالسلام ، أنزل الكتب ، فإن أفاد الإنزال لهم الحكمة ، فقد أفاد له صلىاللهعليهوآله ، إن أوتي جوامع الكلم ، وبه فضل على الأنبياء عليهمالسلام وبخمسة أمور أخرى ، لقوله صلىاللهعليهوآله : «فضلت على الأنبياء بست» وكذا تحقق الفرق بين تصرف تنزيل الكلام على قلبه وتصرف الإنزال عليهم ، فإن كان إنزال الكتب تصرف فيهم بأن كان الكتاب مع أحدهم نورا من الله يجيء به إلى أمته ليكون هدى لهم ، كما قال تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) ، فإن تصرف تنزيل القرآن على قلبه جعله نورا من الله يجيء إلى الأمة ومعه الكتاب لقوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) وهو محمد صلىاللهعليهوآله ، وكتاب مبين ، فشتان بين نبي يجيء ويكون هو بذاته نورا ومعه كتاب ، وبين نبي يجيء ويكون معه نور من الكتاب.
هذا وقد انكشف عليك من تضاعيف ما ذكرناه لك أن الكلام غير الكتاب وأن الحكمة والنور والقرآن والكلام الإلهي يجري مجرى الألفاظ المترادفة في لسان هذا الكتاب ، وأنها جميعا عبارة عن مرتبة العقل البسيط الذي فيه حقائق الأشياء مجملة ، وأن الكتاب عبارة عن مقام نفسي فيه صور العلوم التفصيلية ونسبة الأول إلى الثاني كنسبة الكيمياء إلى الدنانير وكنسبة البذر إلى الشجرة ، بل كنسبة المبدإ الفعال إلى مجعولاته.