المكلفين وأقوالهم ليس فيها شيء من الاعتقادات القلبية ، لقوله : (كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) ، وقوله : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ، وقوله : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، فعلقوها في أعناقهم وأيديهم كما في قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) ، وقال (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) ، فمنهم من أخذ كتابه بيمينه ومنهم من أخذه بشماله ومنهم من أخذه وراء ظهره ، وهم الذين نبذوا الكتاب (وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) وليس أولئك إلا أئمة الضلال ، قال ويأتي مع كل إنسان قرينه من الشياطين والملائكة لقوله تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ، وقوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، ثم يأتي الله عزوجل على عرشه والملائكة يحمل ذلك العرش فيضعونه على تلك الأرض المشرقة بنوره ، كما قال : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) ، وقوله : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، والجنة عن يمين العرش والنار من جانب الآخر ، وقد غلبت الهيبة الإلهية على أهل الموقف من ملك وإنسان وجان ، قوله : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) ، ويرتفع الحجب بين الله وبين عباده وهو معنى كشف الساق ، قوله : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) ، فلا يبقى أحد على أي دين كان إلا يسجد السجود المعهود ، ومن سجد في الدنيا اتقاء أو رياء خر على قفاه ، ويشرع في الفصل والقضاء والحكم بين عباده فيما كان بينهم ، وأما ما كان بينهم وبين الله ، فإن الكرم الإلهي يسقطه ولا يؤاخذ به ، وقد ورد من الأخبار في ذلك اليوم ما ورد ، ودون الناس ما دونوا ، ونحن بصدد توضيح بعض منها ما يبلغ إليه طاقتنا ويناله جهدنا.