كانتا عليه قبل انفتاقها من الرتق ، فعادتا إلى مقام الجمعية المعنوية من هذه التفرقة الطبيعية حيث كانتا رتقا قبل الفتق فعادتا كما كانتا رتقا بعد الفتق ، وكذا العناصر الأربعة يصير كلها عنصرا واحدا مظلما (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، والجبال لكونها متكونة من الرمال المتفتتة فعادت كما كانت عليه ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) ، وتنقلب كل العنصريات والمركبات نارا غير هذه النار الأسطقسية وتصير الهيولى كلها بحرا مسجورا ، (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) ، كما وقعت الإشارة إليه في حق آل فرعون ، (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) ، وبالجملة يتصل البر بالبحر ويتحد الفوق والتحت ، ويزول الأبعاد والأحجام ويرتفع الحواجز والحوائل ، ويرق الحجب لأهل البرازخ ومواقف الأشهاد ، «يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ، يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» ويقام الخلائق عن مكامن الحجب إلى مواقف كشف الأسرار ، لقوله : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ، والمتخلصون عن محابس البرازخ يتوجهون إلى الحضرة الإلهية ، لقوله : (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ).
قال بعض العرفاء المكاشفين إذا (أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) حتى ما بقي فيها شيء اختزنته ، جيء بها إلى الظلمة التي هي دون المحشر ، كما قال : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) ، فيمد مد الأديم وبسطه فلا يرى فيها عوجا ولا أمتا ، وهي الساهرة فلا نوم فيها كما قال : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) ، ويرجع ما تحت مقعر فلك الكواكب جهنم ، وسميت بهذا الاسم لبعد قعرها يقال بئر جهنام أي بعيد القعر ، ويوضع الصراط من الأرض علوا إلى سطح فلك الكواكب وهو فرش الكرسي من حيث باطنه ، إذ كل أمور الآخرة يقع في باطن حجب الدنيا ، ولذلك قيل أرض الجنة الكرسي وسقفها عرش الرحمن ، ويوضع الموازين في أرض المحشر لكل مكلف ميزان يخصه بعد الميزان العام ، قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) للرحمن ، وضرب بسور يسمى الأعراف بين الجنة والنار وجعل مكانا لمن اعتدلت كفتا ميزانه ، ووقعت الحفظة بأيديهم الكتب التي كتبوها في الدنيا من أعمال