المسماة في عرف الحكمة بالملكة وفي لسان النبوة بالملك والشيطان في جانبي الخير والشر ، والمآل فيهما واحد بشرط أن يكون معلوما عندك أن الملكات الراسخة النفسانية تصير صورا جوهرية ، بل ذواتا مستقلة متمثلة فعالة في النفس منعمة أو موذية لها ، ولو لم يكن لتلك الملكات من الثبات والتجوهر ما يبقى أبد الآباد ، لم يكن لخلود أهل الجنة في الثواب أبدا وأهل النار في العقاب سرمدا وجه صحة ، فإن منشأ الثواب والعذاب لو كان نفس العمل أو القول وهما أمران زائلان يلزم بقاء المعلول مع زوال العلة المقتضية ، وذلك غير صحيح ، والفعل الجسماني الواقع في زمان متناه كيف يصير منشأ للجزاء الواقع في أزمنة غير متناهية ، ومثل هذه المجازاة لا سيما في جانب العقاب لا يليق بالحكيم ، وقد قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، وقال : (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ، ولكن إنما يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بالثبات في النيات ، ومع ذلك فإن من فعل مثقال ذرة من الخير والشر يرى أثره مكتوبا في صحيفة ذاته أو صحيفة أرفع من ذاته مخلدا أبدا ، كما قال : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) ، وإذا حان وقت أن يقع بصره إلى وجه ذاته عند فراغه عن شواغل هذه الحياة الدنيا وما تورده الحواس ، ويلتفت إلى صفحة باطنه ولوح ضميره وقلبه ، وهو المعبر عنه بقوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) ، فمن كان في غفلة عن أحوال نفسه وروحه وحساب حسناته وسيئاته يقول عند حضور ذاته لذاته ومطالعة صفحة وجهه (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ... ، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).
وقد ورد في هذا الباب من طريق أهل البيت عليهمالسلام وغيرهم أحاديث كثيرة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، منها ما روي عن قيس بن عاصم أنه قال صلىاللهعليهوآله : يا قيس إن مع العز ذلا وإن مع الحياة موتا وإن مع الدنيا آخرة ، وإن لكل شيء رقيبا ، وعلى كل شيء حسيبا ، وإن لكل أجل