كتابا ، وإنه لا بد لك من قرين يدفن معك وهو حي ، وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريما أكرمك ، وإن كان لئيما أسلمك ، ثم لا يحشر إلا معك ولا تحشر إلا معه ، ولا تسئل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا ، فإنه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلا منه ، وهو فعلك.
فانظر يا وليي في هذا الحديث تجد فيه لباب معرفة النفس ، وفيه إشارة إلى عدة أصول من مسائل علم النفس وأحكامها ليس هاهنا موضع بيانها وشرحها ، من أراد الاطلاع فليطالع كتابنا الكبير المسمى بالأسفار الأربعة ، والمجلد الأول من تفسيرنا الكبير المسمى ذلك المجلد المفتتح بمفاتيح الغيب وغيرهما من المطولات والمتوسطات ، ومنها قوله صلىاللهعليهوآله : إن الجنة قيعان وإن غراسها سبحان الله ، ومنها المرء مرهون بعمله ، ومنها خلق الكافر من ذنب المؤمن ، ومنها ما ورد من فعل كذا خلق الله له ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة ، وأمثال ذلك من الأخبار.
وفي كلام فيثاغورس وهو من أعاظم الحكماء السابقين أنك ستعارض لك في أفعالك وأقوالك وأفكارك ، وسيظهر لك من كل حركة فكرية أو قولية أو عملية صور روحانية وجسمانية ، فإن كانت الحركة غضبية أو شهوية صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك ويحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك ، وإن كانت الحركة عقلية صارت ملكا تلتذ بمنادمته في دنياك وتهتدي به في أخراك إلى جوار الله وكرامته.
ومما يدل على أن صورة الإنسان في الآخرة نتيجة عمله وغاية فعله في الدنيا قوله تعالى في حق ابن نوح عليهالسلام : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) على قراءة فتح الميم ، ومما يدل على أن نفس العمل يعني الملكة الحاصلة منه نفس الجزاء ، وقوله تعالى : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقوله : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، لم يقل بما كنتم تعملون ، تنبيها على هذا المطلب ، وقوله : (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ) ، وتوضيح ذلك أن مواد الأشخاص الأخروية كما مر هي التصورات الباطنية والتأملات النفسانية ، لأن دار الآخرة ليست من جنس هذه الدار ، فما في الدنيا مادة يطرأ عليها صورة أو نفس من