إياها بالهمة الشديدة ، فإن هذه الصور كما توجد بمشاركة المادة واستعدادها وجهات القابلية ، كذلك توجد من الفاعل بمجرد جهات الفاعلية من غير مشاركة المادة ، وهكذا الصور التي أوجدها الله لأهل الجنة وأعطاهم الاقتدار على إنشائها وحفظها بقوة العزيز الحميد ، ولا يؤدهم حفظهم إياها ، لأن ذلك الإنشاء والحفظ ليس من جهة قوة مادية أو آلة طبيعية يكلها تكرر الأفعال ، ولا بوسيطة حركة توجب التعب والانفعال والتغير ، بل بمجرد القصد والهمة والشهوة ، كما أن الحال في تخيلات الإنسان وإحضار الصور المتمثلة في الخيال على هذا المنوال ، حيث لا يوجب بقوته الإدراكية كلالا وتعبا ولا فيها نصب ولا لغوب ، ومن هاهنا يعلم أن القوة الخيالية منا ليست من القوى الطبيعية بل النفسانية ، ولا من الأمور الدنيوية بل من الأمور الأخروية التي ستبرز عند القيامة فهي مفارقة الجوهر عن هذا العالم ، نعم لها تعلق تصرف وتحريك بهذه الطبيعة المنطبعة في هذا الجسم المستحيل ، وهذه الطبيعة أيضا متصلة بها وواسطة لتعلقها بهذا البدن المتبدل الكائن الفاسد في كل آن كما مر ذكره مرارا فما دامت الطبيعة البدنية موجودة طرية قوية ، فتلك القوة النفسانية ضعيفة القوام والتأثير في تصويراتها المثالية وإنشائها النشأة الثانية ، وإذا دثرت الطبيعة وبادت المادة أو ضعفت ووهنت ، قويت قوة الباطن وأصبحت القوة النفسانية مخترعة للصور الخيالية على الوجه الأقوى ، فصار الحس والخيال واحدا حينئذ ، والمتخيل بعينه محسوسا والمحجوب مكشوفا والمعلوم حاضرا ، كقوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ).
تمت