حركاتها مطوية في حقهم ، لأنهم من أصحاب اليمين ، ولهم مقام فيه يطوي الزمان والمكان ، فزمانهم زمان يجمع فيه الماضي والمستقبل من هذا الزمان ، ومكانهم مكان يحضر فيه جميع ما يسعه السماوات والأرض ، ومع ذلك تكون الجنة ونعيمها من المحسوسات بلا شبهة ، إلا أنها ليست طبيعية مادية ، بل محسوسة ، ووجودها وجود إدراكي حيواني مجرد عن عالم الطبيعة والهيولى المستحيلة الكائنة الفاسدة ، كما أن ما يراه الإنسان في عالم نومه محسوسات بلا شبهة إلا أنها غير طبيعية ، والنوم جزء من أجزاء النبوة ونشأته مثال نشأة الآخرة.
قال العارف المحقق في الفتوحات المكية في الباب السابع والأربعين منها ، فلا يزال الآخرة دائمة التكوين ، فإنهم يقولون في الجنان للشيء الذي يريدونه كن فيكون ، فلا يتمنون أمرا ولا يخطر لهم خاطر في تكوين أمر إلا ويتكون بين أيديهم ، وكذلك أهل النار لا يخطر لهم خاطر خوفا من عذاب أكبر مما هم فيه إلا ويكون فيهم ذلك العذاب ، وهو حضور الخاطر ، فان الدار الآخرة يقتضي تكوين الأشياء حسا بمجرد حصول الخاطر والهم والإرادة والشهوة ، كل ذلك محسوس وليس ذلك في الدنيا أعني الفعل بمجرد الهمة لكل أحد انتهى كلامه.
ومن عرف كيفية قدرة الله في وجود الخيال ، وما تجده النفس من صور الأجرام والأبعاد العظيمة وصفاتها وأحوالها في طرفة عين ، هان عليه التصديق بتجسد الأرواح وتصور النيات وحضور المشتهيات دفعة بمجرد الهمة والقصد والشهوة ، لا من جهة مادة جسمانية ، ومن هذا القبيل تمثل الأشخاص الملكية عند الأنبياء والأولياء عليهمالسلام ونزولهم بالوحي والكرامات في صور الأجسام المحسوسة ، لظهور سلطان الآخرة على قلوبهم وقوة باطنهم ، وقد يقع الاشتباه لبعض المكاشفين فيما يراه من الصور المتمثلة الحاضرة عنده هل رآه بعين الحس أو بعين الخيال ، والحق أنها صور محققة الوجود وهي أقوى تحصلا من الصور الطبيعية ، إلا أن شرط تحققها على الوجه الأتم غلبة القوة الفاعلة النفسانية أعني المصورة وحفظها